في تصريح يثير العديد من التساؤلات حول مدى جدية الحكومة المصرية في الاهتمام بمصالح المواطنين وحقوقهم الأساسية أكد ياسر صبحي نائب وزير المالية للسياسات المالية، أن الحكومة المصرية تتطلع لتعزيز شراكات القطاع الخاص دوليًا وإقليميًا بدلاً من الاعتماد على السياسات الحمائية التي تحمي المصالح الوطنية.
فبدلًا من دعم المواطن وتوفير الخدمات الأساسية، تأتي تصريحات نائب الوزير لتؤكد أن الحكومة تعول بشكل أكبر على القطاع الخاص، متجاهلةً الآثار الكارثية التي قد تترتب على هذا التوجه.
يبدو أن الحكومة باتت ترى أن القطاع الخاص هو الحل السحري للنمو الاقتصادي، رغم أن هذا القطاع لا يهتم إلا بمصالحه الربحية البحتة، على حساب المواطن البسيط الذي يعاني من تدني الخدمات الأساسية وتفاقم الفقر والبطالة.
يؤكد نائب الوزير أن “الممارسات الحمائية” تُخل بمبادئ “التنافسية” وتؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي، لكنه يتجاهل تمامًا أن هذه التنافسية المفتوحة هي التي تدمر الصناعات المحلية وتزيد من الفجوة بين الفقراء والأغنياء، حيث يخضع السوق لرأس المال والمستثمرين الذين يبحثون عن الربح السريع فقط.
في مؤتمر “استدامة الاستثمار” الذي نظمته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في باريس، جاءت كلمات صبحي لتعزز فكرة أن الحكومة المصرية أصبحت تفضل توجيه مواردها نحو دعم الاستثمارات الخاصة على حساب المواطن المصري.
فقد ذكر أن زيادة دعم الاستثمارات ستكون على حساب الإنفاق الاجتماعي والخدمات الأساسية، وهذا يعني أن الحكومة لم تعد ترى في الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية أولوية قصوى، بل تراها عبئًا يجب تقليصه لصالح تحقيق مصالح القطاع الخاص.
هذا التصريح الخطير يكشف عن تجاهل تام لاحتياجات المواطنين وعن فشل الحكومة في إدارة موارد الدولة بما يعود بالفائدة على الشعب.
إذ كيف يمكن للحكومة أن تتحدث عن الإصلاحات الاقتصادية وهي تقوم بتقليص الإنفاق الاجتماعي وتحرم الفئات الأكثر احتياجًا من الخدمات التي تعتبر حقًا أساسيًا لكل مواطن؟ إن التركيز على القطاع الخاص وكأنه المنقذ الوحيد للاقتصاد يتنافى مع الواقع، فالمستثمرون الأجانب أو المحليون لا يهتمون بتقديم خدمات اجتماعية أو تحسين مستوى معيشة المواطنين بل يركزون على زيادة أرباحهم ومكاسبهم الخاصة، وهذا ما يعمق الفجوة الاقتصادية بين الطبقات الاجتماعية في مصر.
وفي إطار ما وصفه نائب الوزير بـ “الإصلاحات الهيكلية المحفزة للقطاع الخاص”، تبرز التساؤلات حول مدى تأثير هذه الإصلاحات على المواطن العادي.
إذ يدعي صبحي أن هذه الإصلاحات تمهد الطريق لنمو الاستثمارات الخاصة، لكنه لم يوضح كيف ستنعكس هذه الاستثمارات على حياة المواطن العادي الذي يكافح يوميًا لتلبية احتياجاته الأساسية.
وبدلًا من تقديم حلول حقيقية لمشاكل البطالة والفقر وتدهور التعليم والخدمات الصحية، تأتي الحكومة لتروج لاستثمارات لا يستفيد منها إلا قلة قليلة من رجال الأعمال والمستثمرين.
تحدث نائب وزير المالية أيضًا عن “المبادرات الفعالة” التي تدعي الحكومة أنها تقدم الدعم لبعض الصناعات بهدف تحقيق مستهدفات واضحة في إطار زمني محدد.
ولكن، عن أي مبادرات يتحدث الوزير؟ هل هي تلك المبادرات التي لم يشعر بها المواطن حتى الآن؟ أم هي وعود أخرى فارغة لا تحمل أي نتائج ملموسة على أرض الواقع؟.
فمنذ سنوات والحكومة المصرية تتحدث عن مبادرات وإصلاحات، إلا أن المواطن العادي لم يرَ سوى ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات وتفاقم الأوضاع المعيشية، بينما تستمر الحكومة في تجاهل صرخات الشعب وتحميله عبء الفشل الاقتصادي.
الأسوأ من ذلك، أن الحكومة تحاول إقناع الشعب بأنها تسعى للحفاظ على الاستقرار المالي من خلال تحفيز القطاع الخاص، وكأن الاستقرار المالي يمكن تحقيقه على حساب تقليص الإنفاق الاجتماعي وحرمان الفئات الأكثر هشاشة من الدعم الحكومي.
فكيف يمكن الحديث عن استقرار مالي في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتفاقم البطالة؟.
أرقام البطالة والتضخم المتصاعدة لا تكذب، وكذلك التقارير الدولية التي تشير إلى أن مصر تحتل مراكز متأخرة في مؤشرات التنمية البشرية والتعليم والصحة.
هذا الواقع المخزي يظهر بوضوح أن الحكومة المصرية قد فشلت فشلًا ذريعًا في تحسين حياة المواطنين، وكلما ازدادت وعود الحكومة بتحفيز القطاع الخاص، زادت معاناة المواطن الذي لم يعد يجد في وعود الحكومة أي طمأنينة لمستقبله ومستقبل أطفاله.
في ختام كلماته خلال المؤتمر، تحدث نائب الوزير عن أهداف التنمية الشاملة والمستدامة وكأنها مجرد كلمات براقة يرددها المسؤولون دون أن يكون لها أي صدى على أرض الواقع.
كيف يمكن تحقيق تنمية شاملة ومستدامة في ظل تجاهل الحكومة لاحتياجات الشعب الأساسية؟ التنمية الشاملة لا تتحقق بمزيد من الاستثمارات الخاصة، بل تتحقق بالاهتمام بالإنسان أولًا، بتوفير التعليم والصحة والمسكن والعمل. إن الطريق نحو التنمية يبدأ بتحقيق العدالة الاجتماعية، وليس بزيادة أرباح رجال الأعمال والمستثمرين.
إن ما يحدث في مصر الآن هو تجسيد للفشل الحكومي الواضح في إدارة الاقتصاد وتحقيق رفاهية الشعب. الحكومة تتقاعس عن دورها الأساسي في حماية المواطنين، وتفضل مصلحة الشركات الخاصة على مصلحة الشعب.