في حادثة غير مسبوقة تضاف إلى سجل الفشل الحكومي المتواصل تظهر مجدداً صورة من الانهيار التام للأمن في المؤسسات التعليمية المصرية، حيث استنفر الأهالي والطلاب في فزع شديد بعد تداول أنباء عن هجوم نفذه عدد من البلطجية على مدرسة عثمان بن عفان بمنطقة باكوس في الإسكندرية، وهو ما أدى إلى حالة من الرعب داخل المدرسة ووسط الطلاب.
لم يكن الهجوم مجرد حادث عابر بل كان نتيجة لتجاهل طويل الأمد من الحكومة لأوضاع المدارس التي أصبحت مرتعًا للفساد والبلطجة في ظل تقاعس الجهات المعنية عن القيام بدورها في حماية الأبرياء من الطلاب والمدرسين على حد سواء.
الواقعة التي أثارت ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن مجرد “شائعات” كما حاولت بعض الأطراف التقليل من حجمها، بل كانت بمثابة جرس إنذار للحالة الأمنية المتدهورة داخل المدارس المصرية، حيث اقتحم البلطجية المدرسة وهم يحملون الأسلحة البيضاء، وهاجموا الطلاب في ساحة المدرسة مما تسبب في خروج التلاميذ قبل نهاية اليوم الدراسي.
هذه الحادثة ليست حالة فردية بل هي جزء من مسلسل طويل من الإهمال والتجاهل الذي طال أمن المدارس وحياة أبنائنا داخلها.
ولم يتوقف الأمر عند الهجوم نفسه بل تعداه إلى أجواء من الفوضى العارمة التي انتشرت داخل المدرسة، وهو ما أدى إلى حالة من الذعر بين التلاميذ وأولياء الأمور الذين شعروا بأنهم عاجزون أمام الواقع المرير الذي يعيشه أطفالهم يوميًا داخل جدران هذه المؤسسات التي من المفترض أن تكون أماكن آمنة لتعليمهم وتربيتهم.
ورد فعل إدارة المدرسة كان أقل من التوقعات بل ويبدو أنه جاء في إطار محاولات للتغطية على هذه الجريمة التي كانت أبعادها تتكشف تباعًا عبر صفحات التواصل الاجتماعي، حيث تم نشر الكثير من المنشورات التي تكشف تفاصيل الهجوم وما أسفر عنه من فوضى وإرباك.
الخطير في هذا الحدث هو رد الفعل الحكومي الذي جاء سريعًا ومحاولة التقليل من حجم الحادثة والتقليل من أهمية ما حدث في المدرسة. تصريحات جاءت لتؤكد أن الأمر “ليس كما يتم تداوله”، في محاولة أخرى من الحكومة للتنصل من مسؤولياتها في حماية المؤسسات التعليمية من مثل هذه الاعتداءات.
فعلى الرغم من انتشار المعلومات حول الهجوم بشكل واسع، كان الرد الرسمي محض تكذيب لما تم نشره، مما يزيد من عمق أزمة الثقة بين الحكومة والمواطنين في ظل تغاضيها المستمر عن قضايا التعليم والأمن في المدارس.
كان من المفترض أن تتحرك الحكومة والجهات المعنية بشكل سريع للوقوف على تفاصيل الحادث واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكراره، ولكن كان ما حدث هو العكس تمامًا.
وفي خضم هذه الأزمة، ظهرت مجموعة من المنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي نددت بالحادث وطالبت بتقديم بلاغات رسمية ضد إدارة المدرسة التي لم تتخذ أي إجراءات أمنية أو وقائية تحمي الطلاب من أي هجمات محتملة.
هؤلاء الأهالي الذين أصابهم الفزع بسبب الهجوم، طالبوا بفتح تحقيق موسع في الواقعة، محملين إدارة المدرسة مسؤولية ما حدث في ظل عدم وجود أي رد فعل من قبل المسؤولين عن أمن المدرسة.
في المقابل، تواصلت الأنباء التي تناقلتها صفحات التواصل الاجتماعي عن تزايد حالات الاعتداءات في المدارس في عدد من المناطق المختلفة، مما يجعل الأمر يبدو وكأنه مشكلة مستشرية تحتاج إلى معالجة جذرية.
فالحكومة لا تزال غارقة في مستنقع الفساد والإهمال، غير قادرة على توفير أدنى معايير الأمان في المؤسسات التعليمية.
هذه الحادثة هي دليل آخر على انهيار المنظومة التعليمية في مصر، التي أصبحت مكانًا للتخويف والإرهاب أكثر من كونها منارة للعلم والتعليم.
إن تجاهل الحكومة المتواصل لمطالب المواطنين بضرورة تأمين المدارس ووضع خطط حقيقية لمكافحة البلطجة والفساد داخل المؤسسات التعليمية هو الذي أوصلنا إلى هذه النقطة الكارثية.
لقد أصبح التعليم في مصر أشبه بميدان معركة، والطلاب هم الجنود الذين يواجهون خطرًا مستمرًا في ظل غياب تام للأمن.
والأغرب من ذلك، هو أن الحكومة تظل تلتزم الصمت إزاء هذه الوقائع، بل وتُعتمد على تصريحات رسمية لا تحمل في طياتها أي نوع من المسؤولية أو الوعود الحقيقية لتحسين الوضع.
بينما يتمسك المسؤولون بمواقعهم دون أي محاسبة أو مراجعة لما يحدث في الميدان، ليظل الوضع على حاله ويستمر مسلسل الفشل.
إن ما حدث في مدرسة عثمان بن عفان يجب أن يكون بداية لفصل جديد من المواجهة الحقيقية مع الفساد والإهمال في قطاع التعليم، إذ يجب على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها كاملة وأن توفر الأمان للطلاب والمدرسين على حد سواء.
فالتعليم ليس فقط نقلًا للمعرفة، بل هو حق لكل طفل في أن ينشأ في بيئة آمنة ومحمية من كل أنواع العنف. أما استمرار هذا الفشل الممنهج فإنه سيؤدي حتمًا إلى المزيد من الكوارث التي لا يمكن السكوت عليها.