تقاريرعربي ودولى

استقالة وزيرة المالية الهولندية نورا أشهبار احتجاجًا على العنصرية الحكومية

في خطوة غير مسبوقة أدت إلى زلزال سياسي في هولندا قدمت وزيرة المالية نورا أشهبار استقالتها بعد احتجاجها على تصريحات عنصرية صدرت عن عدد من المسؤولين الهولنديين ضد العرب والمسلمين وذلك عقب أحداث الاشتباكات العنيفة التي شهدتها العاصمة أمستردام الأسبوع الماضي

حيث كانت تلك التصريحات بمثابة القشة التي قصمت ظهر العلاقة بين الحكومة الهولندية والمجتمع العربي والإسلامي داخل البلاد

الاستقالة المفاجئة لأشهبار كانت بمثابة رسالة قوية لكل من يعتقد أن العنصرية يمكن أن تمر دون محاسبة أو عقاب في المؤسسات الحكومية الهولندية فقد كانت تصريحات المسؤولين الهولنديين ضد المسلمين والعرب في أعقاب الأحداث التي شهدتها أمستردام تمثل تجاوزًا خطيرًا لحقوق الإنسان وقد أثارت موجة من الغضب والاستنكار في صفوف الناشطين السياسيين والحقوقيين سواء في هولندا أو خارجها وكانت وزيرة المالية قد عبّرت عن استيائها الشديد من تلك التصريحات وقالت إنها لا يمكن أن تبقى في منصبها بينما تستمر العنصرية في الهيئات الحكومية الهولندية التي من المفترض أن تكون حامية لحقوق جميع المواطنين بلا تفرقة

أحداث أمستردام التي وقعت الأسبوع الماضي كانت شرارة اندلاع هذه الأزمة حيث شهدت المدينة اشتباكات عنيفة بين الشرطة ومتظاهرين احتجوا على التعاملات العنيفة ضد المواطنين العرب والمسلمين في عدة مناطق من هولندا حيث تصاعدت حدة التوترات بعد نشر تصريحات من بعض المسؤولين السياسيين الذين حاولوا تبرير استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين العرب والمسلمين وحملت هذه التصريحات نبرة متعالية ومتحاملة على فئات من المجتمع الهولندي كانت حتى وقت قريب تعتبر جزءًا من النسيج الاجتماعي الهولندي نفسه هذه التصريحات أثارت ردود فعل قوية من قبل المنظمات الحقوقية التي اعتبرت أن الحكومة الهولندية أصبحت تمارس تمييزًا ضد مواطنيها من أصول غير هولندية

واحدة من التصريحات التي أشعلت غضب المجتمع كانت من مسؤول حكومي رفيع المستوى الذي قال إن المتظاهرين العرب والمسلمين في أمستردام هم مجرد “عناصر خارجة عن القانون” وأنهم لا يمثلون إلا أنفسهم في تعبير عن إقصاء كامل لحقوق هؤلاء المواطنين الذي يتمتعون بالجنسية الهولندية ويعيشون في البلاد منذ عقود في ظل هذا الموقف غير المقبول كان قرار الوزيرة نورا أشهبار استقالتها بمثابة دفاع عن القيم التي طالما دافعت عنها والتي تؤمن بها بل إنها اعتبرت أنه من غير المقبول على الإطلاق أن تتساهل الحكومة مع مثل هذه التصريحات العنصرية التي تروج للتمييز وتغذي الكراهية بين المواطنين

وتعتبر استقالة أشهبار خطوة غير عادية في السياسة الهولندية حيث أن الوزيرة كانت تعد واحدة من أبرز الشخصيات السياسية في الحكومة الهولندية خاصة في ملف الاقتصاد والمالية وكان لها دور كبير في تشكيل السياسات المالية والاقتصادية في السنوات الماضية لكن رغم ذلك فإن مواقفها الأخيرة كشفت عن تمسكها الثابت بالمبادئ الإنسانية ورفضها لأي محاولة لتقويض التعايش السلمي بين مختلف الأعراق والثقافات داخل المجتمع الهولندي

تصريحات المسؤولين العنصرية كانت محل إدانة شديدة من قبل غالبية الأحزاب السياسية الهولندية التي طالبت رئيس الحكومة مارك روتي باتخاذ موقف حازم ضد من ارتكبوا هذه الانتهاكات في حق المواطنين واعتبروا أن استمرار مثل هذه التصريحات يضع الحكومة الهولندية في موضع اتهام بضعف الالتزام بحقوق الإنسان وتراجعت قيمة هولندا كمثال يحتذى في مجال احترام التنوع الثقافي وحقوق الأقليات من جهة أخرى فإن تصريحات أشهبار الأخيرة قبل استقالتها أظهرت مدى قلقها من أن تلك التصريحات قد تضر بشكل كبير بصورة هولندا على الساحة الدولية كما أشارت إلى أن تلك التصريحات ليست مجرد كلام عابر بل تمثل تهديدًا خطيرًا لنسيج المجتمع الهولندي الذي يعتمد على التعددية الثقافية والتعايش بين مختلف الطوائف

الحديث عن العنصرية في هولندا ليس بالأمر الجديد إذ شهدت البلاد في السنوات الأخيرة عدة حالات من التمييز ضد المهاجرين وخاصة العرب والمسلمين الذين يواجهون تحديات كبيرة في الحصول على فرص العمل والتعليم أو حتى في تعاملاتهم اليومية مع بعض الأفراد داخل المجتمع الهولندي ومع ذلك كانت الحكومة الهولندية تبذل جهدًا في تعزيز قيم التسامح والعدالة والمساواة ولكن هذه الأحداث الأخيرة وما تبعها من تصريحات عنصرية قلبت الأمور رأسًا على عقب وأظهرت أن هناك خللاً كبيرًا في كيفية تعامل الحكومة مع قضايا العرق والتنوع داخل المجتمع

وبعيدًا عن التوترات الداخلية في هولندا فإن استقالة وزيرة المالية نورا أشهبار قد لفتت الأنظار على المستوى الدولي وفتحت الباب لأسئلة كبيرة حول مستقبل السياسات الهولندية تجاه الأقليات خاصة في ظل تزايد الظواهر العنصرية في العديد من الدول الأوروبية والتي باتت تشكل تهديدًا خطيرًا للتعايش السلمي والمجتمعات المتعددة الثقافات في الغرب وفي الوقت الذي أشادت فيه بعض الجهات الحقوقية بقرار أشهبار كخطوة جريئة في مواجهة العنصرية إلا أن هناك من اعتبر أن استقالتها لا تكفي وأنه يجب اتخاذ خطوات عملية وجادة من أجل وضع حد لهذه الظاهرة

هكذا، كانت استقالة نورا أشهبار بمثابة إشعار للجميع بأن المناصب السياسية لا يمكن أن تكون مكانًا للتساهل مع العنصرية وأن الكرامة الإنسانية هي الأهم وأهم من أي شيء آخر.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى