تقاريرمصر

كارثة اقتصادية تشهدها مصر: فساد حكومي يتلاعب بمستقبل المشروعات الصغيرة

تواصل الحكومة المصرية التغاضي عن مسؤولياتها تجاه المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، وتستمر في تقديم وعود فارغة تعكس عجزها وفشلها في خلق بيئة داعمة للنمو الحقيقي.

هذا في وقتٍ يثبت فيه خبراء الاقتصاد أن الاقتصاد المصري يواجه أزمة حقيقية بسبب غياب خطة استراتيجية واضحة تدير هذا القطاع الحيوي، بل وتستمر في ضخ المزيد من المبادرات غير المجدية. ورغم تلك الوعود، يبقى الواقع أكثر سوداوية مع تزايد أوجه الفساد وتعقيد الإجراءات التي تعيق عجلة النمو.

وزراء خاملون ومبادرات خاوية

منذ إعلان الحكومة عن تشكيل مجموعة وزارية لريادة الأعمال، كان الأمل في تحفيز المشروعات الصغيرة يسيطر على المشهد، إلا أن واقع الأمر يثبت أن هذه المبادرة لم تكن سوى خطوة شكلية تهدف فقط إلى تسويق صورة الحكومة أمام المجتمع المحلي والدولي. في حين أن الحكومة تُروج لمشروع قانون الحوافز والتيسيرات الضريبية على أنه نقلة نوعية، فإن الحقيقة أن هذه القوانين لا تمثل سوى ترقيعات خجولة لنظام ضريبي يرزح تحت فساد الإدارة. والمفارقة الأكبر أن تلك الحوافز والتيسيرات التي يتغنى بها المسؤولون لا تكاد تقدم شيئاً ملموساً، إذ تبقى المشروعات الصغيرة رهينة سياسات ضريبية معقدة وأعباء تنظيمية تثقل كاهلها.

الأرقام تؤكد ضعف الأداء الحكومي

مؤسسة جمعية خبراء الضرائب المصرية، ممثلة في المحاسب أشرف عبدالغني، الذي لا يخلو حديثه من تمجيد المبادرات الحكومية، يصرح بأن الحكومة قد أدركت أخيرًا أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مشيرًا إلى أن تلك المشروعات تشكل حوالي 80% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي تمثل 90% من التكوين الرأسمالي. لكن عبدالغني أغفل الحديث عن العوائق التي تواجه هذه المشروعات بسبب السياسات الحكومية التي لا تسهم بشكل حقيقي في حل أزمات هذا القطاع. وحين تتحدث الحكومة عن وجود أكثر من 3.7 مليون شركة متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة تستوعب 5.8 مليون عامل، يتضح جليًا أن هذه الشركات لا تلقى الدعم الكافي ولا توجد آليات واضحة لتمكينها من النمو في ظل هذا التدهور.

دور الحكومة: تصريحات فضفاضة وأفعال مخيبة للآمال

يتفاخر المسؤولون بإنجازات وهمية على أرض الواقع في ظل تصريحات براقة عن رفع حد التمتع بالمزايا الضريبية من 10 مليون إلى 15 مليون جنيه. ولكن هذا التغيير المحدود لا يعكس سوى جزء ضئيل من الحاجات الفعلية للمشروعات الصغيرة التي تتعرض لضغوط أكبر من مجرد هذا التعديل الرمزي. وعلى الرغم من التصريحات المبالغ فيها، لم نشهد بعد تحسنًا حقيقيًا في الأداء الحكومي ولا في بيئة الأعمال التي تبقى متعطشة لخطوات جدية. وبحسب عبدالغني، فإن المشروع يتضمن مزايا مثل الإعفاء من ضريبة الدمغة ورسوم الشهر والتوثيق، في حين أن هذه الإعفاءات لا تمثل سوى فتات أمام حجم التحديات التي يواجهها أصحاب الشركات الصغيرة في مصر.

إعفاءات بلا قيمة حقيقية

تتضمن الخطة الحكومية إعفاءات مثل الإعفاء من ضريبة الأرباح الرأسمالية وضريبة توزيعات الأرباح، إلى جانب إعفاء الشركات الناشئة من إمساك السجلات الضريبية. في وقت يزداد فيه الفساد الحكومي، فإن هذه التسهيلات الضريبية لا تقدم أي نوع من الحلول الفعالة للأزمات الحقيقية التي يعاني منها أصحاب الشركات الصغيرة. بل على العكس، فإن هذه الإعفاءات تصب في مصلحة فئة محدودة دون أن تؤثر بشكل إيجابي على القطاع بشكل عام. بينما يمكن أن يعتبر البعض هذه الحوافز خطوات إيجابية، إلا أن غياب الآليات الفعالة لتنفيذها يعني أن هذه المبادرات ما هي إلا محاولات لذر الرماد في العيون، بينما تظل الحكومة بعيدة عن تحقيق نتائج ملموسة.

مشروع قانون خادع للمستثمرين الصغار

من أبرز ما جاء في هذه التسهيلات، السماح بتقديم أربعة إقرارات ضريبية سنوية فقط على ضريبة القيمة المضافة، إضافة إلى إمكانية تقديم إقرار واحد لضريبة الأجور والمرتبات. هذه الإجراءات قد تبدو في ظاهرها ميسرة، ولكنها تظل غامضة ومشوهة، لأن ما يحتاجه المستثمرون هو نظام ضريبي مستقر ومبسط بشكل حقيقي وليس مجرد تعديلات شكلية تقتصر على تقليل عدد الإقرارات.

البيروقراطية والفساد يعوقان كل مسعى للنمو

فيما يتعلق بتقديم الإقرارات الضريبية، تظل البيروقراطية والفساد في الجهاز الحكومي أحد أكبر العقبات أمام تطور المشروعات الصغيرة. تلك الشركات الصغيرة التي تزدهر في بيئات متقدمة، تجد نفسها في مصر محاصرة بنظام إداري معقد وأحيانًا فاسد يقف حجر عثرة أمام أي خطوة لتقدم الأعمال. فحتى مع وجود تسهيلات ضريبية، يظل قطاع الأعمال في مصر يواجه مشكلات تتعلق بالتعامل مع مسؤولين غير أكفاء، يفتقرون للشفافية ويستغلون سلطاتهم في فرض المزيد من الرسوم والضرائب غير المبررة.

نهاية الحقبة الفضائحية: هل ينقلب الطاولة؟

من الواضح أن الحكومة المصرية تتبع سياسة الوعود الفارغة على حساب المواطنين والمستثمرين في المشروعات الصغيرة. ورغم التصريحات المثيرة التي يرددها المسؤولون، يبقى الوضع على حاله، إذ لا يوجد تغيير جوهري على أرض الواقع. بل إن مشروعات صغيرة تواجه اليوم تحديات تفوق قدرتها على التحمل، في ظل تعقيدات النظام الضريبي، وإجراءات التراخيص المرهقة، وفوضى الفساد. إذا لم تتخذ الحكومة خطوات جادة نحو إصلاح بيئة الأعمال، فإن القطاع سيستمر في النزيف، والاقتصاد المصري سيظل في دوامة من التدهور.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى