في قلب شبرا الخيمة حيث تتشابك آمال الناس بحلم الحصول على علاج، يقع مستشفى النيل للتأمين الصحي، الذي أصبح اليوم رمزًا للإهمال والفوضى، بعدما كان من المفترض أن يكون صرحًا طبيًا يقدم الرعاية الصحية للمواطنين.
لم يعد هذا المستشفى ملاذًا للمرضى، بل تحول إلى مسرح لمعاناة لا تنتهي، في ظل غياب تام للإشراف الطبي والمسؤولية الاجتماعية، مما يعكس فشلًا ذريعًا لنظام الصحة المصري وغياب المساءلة.
من الخارج، يبدو المبنى وكأنه يحيط به مجد تاريخي، يفيض بجمال تطويره وتجديده المستمر. لكن داخل جدرانه، يبدأ المعنى الحقيقي لمعركة يومية يتعرض لها المرضى، خاصة الفقراء وكبار السن، في محاولة للوصول إلى حقهم في العلاج.
المأساة داخل المستشفى تتجاوز مجرد إهمال؛ إنها جريمة يتم ارتكابها على مرأى ومسمع الجميع، حيث يترك المرضى لساعات طويلة، في أحيانٍ عديدة أيامًا، دون تلقي أي رعاية طبية.
تُرك العديد من المرضى، الذين يحتاجون إلى تدخل طبي عاجل، في مهب الريح. لا أحد يتجاوب معهم. الطاقم الطبي إما غارق في الروتين اليومي أو منشغل في قضاء حاجاته الخاصة.
وفي وقت تتراجع فيه القدرات العلاجية، تصبح الطوابير الطويلة علامة مميزة لهذا المكان. كبار السن الذين من المفترض أن يكونوا على رأس أولويات الرعاية، أصبحوا أول ضحايا هذا النظام الصحي المتدهور.
الانتظار الطويل في ردهات المستشفى بات أمرًا مألوفًا، والمفارقة أن أكبر ضحايا هذا الوضع المأساوي هم أولئك الذين يحتاجون للعلاج بشكل عاجل.
القصص التي تتداولها ألسنة المرضى في هذا المستشفى تكشف عن فصول من المعاناة يتعرض لها الجميع. على سبيل المثال، أحد المرضى جلس على السلالم الخارجية للمستشفى يحاول بيديه العاريتين إيقاف نزيف جروحه العميقة، بينما الطاقم الطبي لا يزال في غيبوبة من الإهمال.
آخر اضطر للانتظار ساعات طويلة قبل أن يتنبه له أحد الأطباء. وفي مشهد آخر، يجلس رجل مسن على كرسي انتظار بائس، غارق في الألم، بينما تتنقل موظفتان في المستشفى دون أي اكتراث.
الأمر لا يتوقف عند هذه النقطة. داخل مستشفى النيل للتأمين الصحي، تطورت الأمور إلى مستوى غير مسبوق من الفوضى. لا تقتصر المأساة على غياب الخدمات الطبية، بل تشمل أيضًا انتشار المتسولين داخل أروقة المستشفى.
طفل لا يتجاوز عمره الـ 15 عامًا، كان يجمع الأموال من جيوب المرضى والمرافقين، في مشهد يعكس حجم التسيب الموجود. جمع هذا الطفل مبلغًا تجاوز 3000 جنيه من المرضى الذين بالكاد يجدون قوت يومهم وسط الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد.
إن هذا المشهد ليس مجرد حالة عابرة، بل هو مؤشر خطير على غياب الرقابة والإشراف في مستشفى يُفترض أن يكون ملاذًا للمرضى الباحثين عن العلاج.
كيف يمكن أن يحدث هذا في مؤسسة صحية يفترض أن تكون مكرسة للشفاء؟ كيف يترك طفل في سن المراهقة يتجول بحرية في أروقة المستشفى، بينما تلتزم الإدارة بالصمت؟ أين دور الأمن الداخلي في مواجهة هذه الظواهر السلبية؟ الأمر يبعث على الفزع حول حالة الفوضى العارمة التي يواجهها المرضى داخل هذا الصرح الصحي.
أما في ما يتعلق بالرعاية الصحية ذاتها، فلا يمكن إغفال غياب الكوادر الطبية المؤهلة التي تفتقر إلى الحس الإنساني والمسؤولية. التسيب والإهمال كانا يطبعان كل زاوية في المستشفى، مما دفع المرضى لتقديم شكاوى بلا جدوى.
يُقال إن هناك اتفاقًا ضمنيًا بين الموظفين على تجاهل معاناة المرضى. فهل يمكن أن يكون هذا هو الحال في مستشفى حكومي يفترض أن يكون يقدم العون والراحة للمواطنين؟ وهل يعقل أن تصبح صحة المصريين رهينة للبيروقراطية القاتلة؟
عندما يصبح العلاج رفاهية محض، وتتحول المستشفيات إلى مكان للجحيم بدلاً من الشفاء، يصبح هذا دليلاً على فساد ممنهج داخل المنظومة الصحية.
في مستشفى النيل، لا يعاني المرضى فقط من التأخير في العلاج، بل من ممارسات غير أخلاقية تقيدهم بالمزيد من المعاناة. المشاهد اليومية لهذا الواقع المؤلم قد تكون كارثية، لكنها تظل مجرد تجسيد لحقيقة مريرة عن سوء إدارة وتفشي الإهمال.
إن ما يحدث داخل مستشفى النيل للتأمين الصحي يمثل تذكيرًا صارخًا بجوهر المشكلة الصحية في مصر: فشل الحكومة في تقديم رعاية صحية لائقة لشعبها، سواء من خلال نقص التمويل، أو من خلال غياب الرقابة على أداء الكوادر الطبية، أو حتى من خلال تقاعس الأمن الإداري في حماية المرضى من المعاملات غير الإنسانية.
هذا الوضع يجب أن يكون ناقوس خطر لجميع المعنيين بالشأن الصحي في البلاد، لأنه لا يمكن السكوت على هذه المأساة بعد اليوم.