تقاريرحقوق وحريات

إسرائيل ترتكب جرائم حرب: غزة ضحية التطهير العرقي والموت الجماعي

كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير دامغ وغير قابل للجدل، عن حجم الجرائم التي ارتكبتها السلطات الإسرائيلية في قطاع غزة، والتي تتجاوز حدود الحرب لتصل إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي جماعي.

هذه الجرائم لا تقتصر على قصف العزل من المدنيين بل تشمل أيضًا فرض حصار خانق وتجويع مخطط له بدقة، مما يجعل من الصعب تجاهل أو التقليل من حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة منذ أكثر من شهر.

إن التقرير الصادر حديثًا عن المنظمة، الذي أطلق عليه اسم “يائسون جائعون ومحاصرون”، يسلط الضوء على عمليات الإخلاء القسري والتدمير الممنهج للمنازل والتهجير الجماعي لملايين الفلسطينيين، مما يضع إسرائيل في موقف دولي بالغ السوء ويعزز الاتهامات الموجهة لها بارتكاب جرائم حرب.

في التفاصيل المروعة التي سُجلت في التقرير، تتحدث “هيومن رايتس ووتش” عن القصف العشوائي للمنازل والملاجئ المدنية الذي لا يميز بين شيخ أو طفل أو امرأة حامل.

هذه الهجمات أسفرت عن مقتل العشرات بل المئات من المدنيين الذين أصبحوا رهائن لآلة حرب لا ترحم. هؤلاء المدنيون لم يجدوا ملاذًا من القصف المتواصل ولا سبيلاً للهروب من جحيم البراميل المتفجرة التي تلقيها الطائرات الإسرائيلية.

أما ما زاد الطين بلة، فهو أن الكثير من العائلات التي هربت من القصف لم تجد حتى مأوى آمنًا في الأماكن التي كانت مفترضة أن تكون آمنة.

أما الأطفال فقد كانوا الضحايا الأكثر تعرضًا لموجات العنف المتزايدة. فالمئات منهم سقطوا ضحايا الحصار الذي فرضته إسرائيل، محاصرة غزة بالكامل ومانعة وصول الطعام والدواء إلى السكان.

تلك الإجراءات لم تترك للفلسطينيين سوى خيارين؛ إما الموت جوعًا أو الموت تحت الركام، وكأن إسرائيل تتعامل مع أهل غزة كأنهم مجرد أرقام على جدول إحصائي وليست أرواحًا يجب أن تحترم. كل هذه الأحداث تأتي في وقت حساس حيث كانت غزة تحاول أن تتنفس بعد سنوات من الحصار والتقنين.

لقد اختارت إسرائيل أسلوبًا ممنهجًا لتجويع الناس، وذلك من خلال فرض حصار مشدد على القطاع لأشهر متتالية. هذا الحصار ليس مجرد عملية عسكرية تهدف إلى إضعاف الجبهة الفلسطينية، بل هو استراتيجيا حرب شاملة تهدف إلى القضاء على البشر من خلال قطع الإمدادات الغذائية والطبية.

وبحسب التقرير، فقد حرم هذا الحصار أكثر من مليوني فلسطيني من الطعام والدواء، مما أسهم في ارتفاع معدلات الوفاة بسبب نقص العلاج. لا يبدو أن هذه الإجراءات هي مجرد آلية حرب، بل هي سياسة رسمية تهدف إلى إحداث تغييرات ديموغرافية على الأرض، وهو ما يمكن أن يرقى إلى جريمة تطهير عرقي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

أحد الجوانب المروعة التي تضمنها التقرير هو التأكيد على عمليات الإخلاء القسري المنظم التي تنفذها السلطات الإسرائيلية. كانت الأوامر العسكرية بالإخلاء تصل إلى الفلسطينيين بشكل جماعي، حيث أُجبروا على مغادرة منازلهم تحت تهديد القصف والاعتقال.

لم يقتصر الأمر على أن يصبح الفلسطينيون بلا مأوى، بل تم توجيههم إلى مناطق أكثر تعرضًا للقصف والهدم. النتيجة كانت تدمير البنية التحتية الأساسية في غزة، من مدارس ومستشفيات ومراكز صحية. هذا التدمير لم يكن مجرد نتيجة للقتال الدائر بل كان جزءًا من خطة ممنهجة تهدف إلى إحداث تغييرات جذرية في التركيبة السكانية للقطاع.

كما يشير التقرير إلى أن عمليات الإخلاء القسري كانت مدعومة من صور الأقمار الصناعية التي أظهرت الدمار الهائل الذي تعرضت له العديد من المناطق السكنية، فضلاً عن أشرطة الفيديو التي توثق هجمات مكثفة على المناطق التي تم تحديدها “آمنة” حسب اتفاقات أو إعلانات، لكنها كانت في الواقع مناطق للإبادة الجماعية.

وقد أكدت “هيومن رايتس ووتش” أن السلطات الإسرائيلية مسؤولة بشكل مباشر عن الأوضاع الكارثية التي يعاني منها أكثر من 90% من سكان غزة الذين أجبروا على النزوح، ما يعكس نهجًا ممنهجًا لتركيع الشعب الفلسطيني.

لم يقتصر الضرر على النازحين فقط، بل طال من يعيشون تحت وطأة الحصار المستمر، حيث يعانون من نقص حاد في الغذاء والمياه والطاقة.

ما يثير القلق بشكل أكبر هو التأكيد على أن السلطات الإسرائيلية ترفض السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحاصرين، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني.

الآلاف من الفلسطينيين يعانون من أمراض مزمنة وأوضاع صحية حرجة لم يعد لديهم أي أمل في العلاج إلا إذا تم السماح بمرور المساعدات. وفي حال استمر الوضع على هذا المنوال، فإن احتمالات وقوع كارثة إنسانية مدمرة تتزايد يوماً بعد يوم.

إن التقرير لا يقدم فقط صورة مروعة عن الممارسات الإسرائيلية في غزة بل يشير إلى غياب محاسبة دولية على تلك الجرائم. فمنظمات حقوق الإنسان، رغم توثيقها وتفصيلها للمذابح التي تتعرض لها غزة، لا تزال عاجزة عن إحداث أي تغيير حقيقي على الأرض.

يظل الفلسطينيون في غزة يدفعون ثمنًا باهظًا لعدم وجود ضغط دولي حقيقي على إسرائيل لوقف هذه الممارسات الوحشية التي تهدف إلى تدميرهم على جميع الأصعدة.

لا يمكن وصف الوضع في غزة بأنه مجرد نزاع عسكري أو خلاف سياسي، بل هو عملية ممنهجة لإبادة جماعية لمجتمع بأكمله.

إن ما يحدث في غزة الآن يمكن أن يُعتبر جريمة حرب ترتقي إلى مستوى التطهير العرقي الذي سيظل وصمة عار في تاريخ الإنسانية ما لم يتخذ المجتمع الدولي خطوات حقيقية لوقف هذه الممارسات الوحشية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى