في ظل تفاقم ظاهرة الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة “فيسبوك”، يتصاعد الجدل حول ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة للقضاء على هذه الآفة الرقمية.
هذه الحسابات التي يصل عددها إلى 14 مليون على منصة واحدة، تشكل تهديداً واضحاً للأمن الرقمي والمجتمعي، مما دفع أحد البرلمانيين للتقدم بمطلب حاسم للحكومة.
فقد طالب البرلماني وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الدكتور عمرو طلعت، بالتدخل السريع لفرض قيود صارمة على هذه الحسابات مجهولة الهوية وإغلاق الصفحات المزيفة بشكل فوري.
هذا الطلب ليس مجرد دعوة عابرة، بل يعكس قلقاً متزايداً من تأثير هذه الحسابات على المجتمع، سواء من خلال نشر الشائعات أو التلاعب بالحقائق أو حتى استخدام هذه الصفحات في أنشطة إجرامية، مثل الابتزاز أو الاحتيال الرقمي.
لا يمكن تجاهل هذا الخطر الذي يهدد استقرار المجتمعات الرقمية ويدفع بتحديات جديدة أمام المؤسسات الأمنية والتشريعية.
الحسابات الوهمية: تهديد خفي للأمن الرقمي
الدكتور محمد محسن رمضان، مستشار الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية، أكد على خطورة هذه الحسابات في تصريحات صحفية مشددة على أن هذه الحسابات ليست مجرد ملفات عشوائية على الإنترنت بل هي أدوات يستخدمها بعض الأفراد أو الجهات لتحقيق أغراض مشبوهة.
وقد أوضح رمضان أن الحسابات الوهمية أو المزيفة هي حسابات غير مرتبطة بشخص حقيقي أو يتم إنشاؤها باستخدام بيانات شخص آخر دون علمه أو موافقته. وهذا بحد ذاته يشكل انتهاكاً واضحاً للخصوصية وأداة لنشر الفوضى الرقمية.
ويشير رمضان إلى أن هذه الحسابات غالباً ما تُستخدم لانتحال شخصيات الآخرين أو للقيام بأعمال احتيالية تحت غطاء هوية زائفة.
مثل هذه الحسابات تُعرف بـ “حسابات الاحتيال” حيث يقوم منشئ الحساب بالتظاهر بأنه شخص آخر لتحقيق مكاسب شخصية، سواء كانت تلك المكاسب مادية أو معنوية. هذه الظاهرة لم تعد مجرد مسألة تهكم أو تحايل بسيط بل تحولت إلى تهديد حقيقي يتطلب استجابة فورية.
دمى الجوارب: لعبة خطيرة في يد المخربين
مصطلح “دمى الجوارب” قد يبدو غريباً للوهلة الأولى لكنه يحمل في طياته خطورة مضاعفة. فهذه الحسابات التي يُطلق عليها “حسابات دمى الجوارب” تشير إلى حسابات ينشئها المستخدم للتحكم فيها جميعاً كدمى تتراقص وفقاً لأجندة واحدة.
يوضح رمضان أن هذه الحسابات تُستخدم للتأثير في الرأي العام أو للدفاع عن وجهات نظر معينة أو حتى لخلق انطباع زائف بوجود دعم جماهيري لجهة أو قضية معينة. هذه الدمى الرقمية ليست مجرد حسابات فردية بل هي جيش خفي يُستخدم للتلاعب بالمعلومات والأفراد والمجتمعات.
يمكن لأحد الأفراد إنشاء عشرات الحسابات وإدارتها بشكل متزامن ليبدو وكأنه جماعة مؤثرة. ومن خلال ذلك، يصبح المستخدم قادراً على توجيه النقاشات وتحريف الحقائق وإثارة الفتن بدون أن يكشف عن هويته الحقيقية.
هذا النوع من الحسابات يمثل خطراً كبيراً على الأمن السيبراني والمجتمعي حيث يتسبب في نشر الأكاذيب وبث الفوضى في المنصات الرقمية التي تعتمد عليها حياتنا اليومية بشكل متزايد.
المطالبة بإجراءات حازمة: هل تتحرك الحكومة؟
البرلماني الذي أثار القضية لا يكتفي بالمطالبة بإغلاق هذه الحسابات بل يدعو إلى تنفيذ إجراءات صارمة وجذرية للتعامل مع هذه الأزمة الرقمية.
من وجهة نظره، المسؤولية تقع على عاتق الحكومة وخاصة وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للبدء في تنفيذ سياسات أكثر فعالية للتصدي لهذا الخطر الذي لا يتوقف عند تهديد الفضاء الرقمي بل يمتد ليؤثر على الحياة الحقيقية للمواطنين.
فالخطر لا يكمن فقط في الحسابات المزيفة بل في استخدامها كأدوات لنشر الشائعات والمعلومات الكاذبة التي قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات وإثارة الفتن بين أفرادها.
يعتبر البرلماني أن الحسابات الوهمية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من منظومة الاحتيال الإلكتروني، وهي ظاهرة يجب التصدي لها بشكل فوري قبل أن تتفاقم أكثر.
وقد دعا الحكومة إلى اتخاذ خطوات عاجلة وفعالة من خلال التعاون مع شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “فيسبوك” لتحديد وإغلاق هذه الحسابات المزيفة.
ويضيف أن وضع سياسات رقابية صارمة وتعزيز التعاون بين الحكومات والشركات التقنية أصبح أمراً لا مفر منه إذا أردنا حماية المجتمعات من الانهيار الرقمي.
ماذا بعد: هل يمكن السيطرة على هذه الفوضى الرقمية؟
في ظل هذه التحديات التي تفرضها الحسابات المزيفة، يبقى السؤال الأهم هو هل تستطيع الحكومة حقاً السيطرة على هذه الفوضى الرقمية؟
هل تمتلك السلطات الأدوات الكافية لمراقبة وإغلاق هذا العدد الهائل من الحسابات الوهمية التي تُستخدم في أنشطة غير مشروعة؟
يجيب بعض الخبراء بأن الحل يكمن في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للكشف عن الحسابات المشبوهة والأنشطة غير الطبيعية.
هذه التقنيات يمكن أن تساعد في تتبع الحسابات التي تنشأ بشكل متزامن أو تلك التي تُظهر أنماطاً غير طبيعية في التفاعل مع المحتوى.
لكن في النهاية، لا يمكن للتقنية وحدها أن تكون الحل النهائي، بل يتطلب الأمر تعاوناً وثيقاً بين الحكومات والمنصات الرقمية والمستخدمين أنفسهم.
التحدي الآن هو كيف يمكن للحكومة أن تنفذ إجراءات فعالة وفي الوقت ذاته تحترم حقوق المستخدمين الشرعيين وحريتهم في التعبير.
لكن من الواضح أن التحرك السريع أمر حتمي إذا أردنا تجنب استمرار استغلال هذه الحسابات في التلاعب بالمجتمعات وخلق بيئة رقمية غير آمنة.