تقاريرحقوق وحريات

نقابتا المحامين والصحفيين تعترضان على قانون الإجراءات الجنائية: تقييد للحريات وتدمير للعدالة

تعديلات قانون الإجراءات الجنائية الجديدة التي تثير جدلاً حاداً بين مؤيدين ومعارضين، تهدد بشكل صريح الحريات العامة وحقوق المواطنين، ولا سيما فيما يتعلق بحرية الصحافة وحق الدفاع.

الحكومة المصرية، التي تسعى إلى تحسين النظام القضائي، تغفل تمامًا عن التوازن المطلوب بين تعزيز العدالة وحماية الحقوق الأساسية للأفراد.

وفي هذا السياق، تبرز اعتراضات نقابتي المحامين والصحفيين، اللتين تمثلان أهم المؤسسات المهنية في البلاد، اللتين تعتبران أن هذه التعديلات ليست مجرد إصلاحات قانونية، بل خطوة خطيرة نحو تقييد الحريات وتهديد العدالة.

حكومة تروج للإصلاح لكنها تغفل عن جوهر الحريات

تسعى الحكومة المصرية منذ فترة إلى تطوير النظام القضائي عبر مشروع قانون جديد للإجراءات الجنائية. القانون، الذي يتضمن أكثر من 540 مادة، يهدف إلى تسريع إجراءات التقاضي وتعزيز فعالية المحاكمات.

ولكن في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة أنها تعمل على تحسين العدالة وتطوير آليات التحقيق، يكتشف الخبراء والنقابات القانونية فحوى التعديلات التي تهدد أساسيات المحاكمة العادلة، وعلى رأسها الحريات الشخصية.

القانون الجديد يتضمن تعديلات تتعلق بالحبس الاحتياطي، حقوق الدفاع، وحق المحامين في حضور جلسات التحقيق والمحاكمة. فبينما يرى مؤيدو القانون أن هذه التعديلات ستسرع من إجراءات التقاضي وتعزز من العدالة الناجزة،

يرى المعارضون أنه سيؤدي إلى تقليص حقوق المتهمين والمواطنين بشكل عام، ويزيد من صلاحيات النيابة العامة على حساب الدفاع، ويقيد حرية الصحافة.

قانون يُقدّم كإصلاح ولكن قد يقتل العدالة

الدكتور ياسر الهضيبى، عضو مجلس الشيوخ عن حزب الوفد، يصف القانون بأنه بمثابة “الدستور الثاني للبلاد”، ويؤكد أنه يعكس نقلة نوعية في النظام القضائي.

يبرز الهضيبى أن القانون الحالي يعود إلى عام 1950، وأن هناك ضرورة لإحداث تغيير يتماشى مع دستور 2014. لكن الهضيبى، رغم دعمه للمشروع، يعترف بأن بعض المواد تحتاج إلى تعديل، وتحديدًا تلك المتعلقة بالحريات وحقوق الدفاع.

إحدى النقاط الأساسية التي أثارها المشروع هي تعديل نظام الحبس الاحتياطي، حيث يتم تحديد مدة أقصى له ويصبح إجراء احترازيًا بدلاً من عقوبة.

كما يتضمن القانون ضمانات لتعويض المحبوسين احتياطيًا إذا ثبت أنهم أبرياء. إلا أن المعارضين يرون أن هذه التعديلات لا تضمن تحقيق العدالة بشكل كامل، بل تفتح الباب أمام الاستمرار في الانتهاك المستمر لحقوق الأفراد.

نقابة المحامين .. وقفة احتجاجية ضد التقليل من حق الدفاع

نقابة المحامين التي تمثل الحامي الأول لحقوق المتهمين في المحاكم، لم تتأخر في رفض هذه التعديلات، مؤكدة أن العديد من المواد تشكل تهديدًا حقيقيًا لحقوق الدفاع.

ترفض النقابة تعديل المادة 249 الخاصة بمحاكمة المتهمين في قضايا الجنايات، والتي تمس بشكل مباشر حق المحامي في حضور جلسات التحقيق، ما يعد انتهاكًا لحق الدفاع عن المتهم.

نقابة المحامين، التي تقدر عدد مواد القانون التي تحتاج إلى تعديل بنحو 32 مادة، تؤكد أن هذه المواد تتعلق في المقام الأول بحريات المواطنين وحق الدفاع.

وتعد النقابة أن حق الدفاع هو من الحقوق الدستورية المقدسة التي لا يجوز المساس بها تحت أي ظرف. النقابة أيضًا تنتقد فكرة معاقبة المحامي في حال حدوث تجاوز في قاعة المحكمة، وتؤكد أن القانون يجب أن يحترم حصانة المحامي في أداء وظيفته.

نقابة الصحفيين .. مشهد آخر من القمع والتهديد بحرية الصحافة

من جهة أخرى، نقابة الصحفيين، التي تمثل صوت الحق في مجتمعاتنا، لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا المشروع المثير للجدل.

النقيب خالد البلشي أكد أن النقابة بذلت جهدًا مهنيًا وقانونيًا في مناقشة مشروع القانون ووضعت ملاحظاتها بشكل يتماشى مع احترام حقوق الصحفيين والمواطنين على حد سواء.

البلشي شدد على ضرورة تعديل المادة 266، التي تحد من نقل وقائع الجلسات وتعد انتهاكًا لحرية الصحافة، مطالبًا بتعديل يسمح ببث الجلسات في الحالات العادية، مع الإبقاء على بعض الاستثناءات.

ويُظهر ذلك بوضوح أن النقابة ترفض قانونًا يعزز السيطرة على الصحافة ويقيد حرية الإعلام. النقابة تطالب بفتح حوار مجتمعي حول مشروع القانون لمناقشة تفاصيله بشكل شامل يحقق التوازن بين حقوق الأفراد وحماية المجتمع.

حقوق الإنسان على المحك .. القانون الجديد يعزز السلطة ويقيد الحريات

الحكومة، من خلال هذا المشروع، تدعي أن القانون يهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان، خاصة مع وجود مواد تشدد على احترام خصوصية الأفراد، مثل منع تفتيش المنازل دون أمر قضائي.

ولكن الخبراء ومنظمات حقوق الإنسان يراهنون على أن القانون سيزيد من صلاحيات الأجهزة الأمنية على حساب المواطنين.

في حين أن بعض التعديلات قد تساهم في تسريع الإجراءات القضائية، إلا أن الانتهاكات المترتبة على تقليص حرية المحاكمة العادلة، وفرض قيود جديدة على الصحافة، قد تعكس نية خفية لتقليص الدور الرقابي الذي يمارسه الإعلام على السلطة التنفيذية.

نقابة المحامين تؤكد على ضرورة إعادة النظر في القانون

لا تزال النقابة تعارض بعض التعديلات وتطالب بإعادة النظر في العديد من البنود التي تؤثر على حقوق الدفاع. النقابة تعتبر أن هذا القانون في صورته الحالية سيضر بشكل خطير بالعدالة، ولا يتماشى مع الدستور المصري الذي يحمي حقوق المواطنين.

كما أشاروا إلى أن بعض التعديلات قد تضر بالمحامي بشكل غير مباشر من خلال منح صلاحيات غير محدودة للنيابة العامة، مما يزيد من التحديات التي تواجه المحامين في ممارسة مهامهم المهنية.

القانون الجديد .. حماية الدولة أم تهديد لحقوق المواطن؟

على الرغم من محاولة الحكومة تحسين إجراءات التقاضي، إلا أن هذا القانون في شكله الحالي يحمل في طياته تهديدًا حقيقيًا لحقوق الإنسان والحريات العامة.

النقابات المهنية، بما في ذلك نقابتي الصحفيين والمحامين، تؤكد أن التعديلات بحاجة إلى مزيد من المراجعة، لضمان التوازن بين الحفاظ على الأمن القومي وحقوق الأفراد. كما أن هذا المشروع يُظهر عدم اهتمام الحكومة بما يكفل المحاكمة العادلة، ويضع عبئًا إضافيًا على المشتبه بهم في القضايا الجنائية.

أزمة ثقة بين المواطن والحكومة

يتضح أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد هو تجسيد للأزمة المستمرة بين الحكومة والمواطنين. فبينما تدعي الحكومة أن هذا القانون سيسهم في تحسين العدالة، فإن النقابات المهنية والأوساط الحقوقية ترى فيه خطوة كبيرة نحو تقييد الحريات العامة.

القوانين لا يجب أن تكون أداة لتقوية السلطة على حساب حقوق الأفراد، ولا يجب أن تكون حجة لتقليص دور الإعلام والمحامين في الدفاع عن حقوق المواطنين.

الحوار المستمر والتفاعل المجتمعي بشأن هذا القانون سيكونان السبيل الوحيد لضمان إصلاح حقيقي ومتوازن يخدم مصلحة العدالة وحماية الحقوق الأساسية للجميع.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى