في خطوة توصف بالكارثية، وقّع تحالف شركتي “طاقة عربية” المصرية و”فولتاليا” الفرنسية مذكرة تفاهم مع وزارة الكهرباء المصرية لدراسة بناء محطة للطاقة النظيفة بقدرة 3.2 جيجاواط بمزرعة رياح الزعفرانة.
ورغم البهرجة التي أحاطت بالإعلان، فإن هذه الاتفاقية تمثل حلقة جديدة في سلسلة من التجاوزات والإهمال الحكومي المتعمد، حيث تبدو الخطوة جزءاً من حملة لتلميع صورة النظام بدلًا من مواجهة الفساد العميق الذي يعصف بقطاع الطاقة في مصر.
المشروع المعلن سيضم إنتاج 1.1 جيجاواط من طاقة الرياح و2.1 جيجاواط من الطاقة الشمسية، وتوزع الملكية بالتساوي بين “طاقة عربية” والشركة الفرنسية “فولتاليا”.
وتعد مزرعة رياح الزعفرانة، والتي تم إنشاؤها في عام 2001 بقدرة 545 ميجاواط، رمزًا للفساد والإهمال الحكومي، إذ تم تشييدها عبر بروتوكولات تعاون مع ألمانيا والدنمارك وإسبانيا واليابان، ولكن بدلاً من تحسين كفاءتها أو استغلالها لصالح الشعب المصري، فضلت الحكومة بيعها للمستثمرين الأجانب.
وفقًا للتصريحات الحكومية، فإن دراسة الجدوى الفنية والبيئية للمشروع الجديد سيتم الانتهاء منها بحلول ديسمبر 2025، ولكن ماذا عن خطط الحكومة السابقة التي كانت تهدف إلى بيع مزرعة الزعفرانة؟
وزير الكهرباء محمود عصمت أعلن في أكتوبر الماضي تأجيل هذه الخطة دون تفسير واضح، مما يثير تساؤلات حول شفافية التعاملات الحكومية ومدى تورط جهات داخلية في الاستفادة من هذه الصفقات على حساب المواطنين.
خلف الستار: فساد الحكومة وتقاعس المسؤولين
من المؤسف أن هذه الخطوة تأتي في إطار مساعٍ الحكومة المصرية لوقف تشغيل بعض محطاتها التي تعمل بالغاز وزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة إلى 42% بحلول عام 2035.
هذه الأهداف الطموحة تبدو مجرد واجهة للإعلانات الإعلامية الفارغة، حيث أن الحكومة تعاني من فشل متراكم في تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة بفعالية.
مزرعة رياح الزعفرانة التي كان يمكن أن تكون رائدة في مجال الطاقة النظيفة في مصر، أصبحت اليوم رمزًا لسياسات التلاعب الحكومي والمصالح الشخصية الضيقة.
المحطة التي يفترض أن تكون نموذجًا في مجال الطاقة النظيفة، تأتي على خلفية مشروع قديم متقادم، مع اقتراب انتهاء العمر التشغيلي لتوربينات الرياح الحالية.
إلا أن السؤال الحقيقي هنا: لماذا لم تسع الحكومة إلى تطوير هذه المحطة من البداية، بدلاً من إرجائها وتركها في حالة من الإهمال؟ ألا يعكس هذا الإهمال المتعمد مصالح شخصية وفساد مستشري داخل الدوائر الحكومية؟
الحقيقة المرة: أهداف معلنة وواقع مظلم
الإعلان عن المشروع الجديد يأتي بعد توقيع اتفاقية إطارية بين “طاقة عربية” و”فولتاليا” في يوليو الماضي لإنشاء مجمع للهيدروجين الأخضر بتكلفة 3.4 مليار دولار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
ورغم الضخ الإعلامي الهائل حول هذا المشروع، فإن الواقع يعكس صورة أخرى من التباطؤ والتقاعس الحكومي. فأين هي المشاريع التي وعدت الحكومة بتنفيذها منذ سنوات؟ ولماذا تستمر في تأجيل أو إلغاء مشاريع قائمة مثل بيع محطة الزعفرانة؟
لا يمكن تجاهل الأرقام التي تشير إلى أن محطة الزعفرانة كانت تعمل بقدرة 545 ميجاواط فقط منذ عام 2001، وهي طاقة متواضعة للغاية بالمقارنة مع احتياجات البلاد المتزايدة من الكهرباء.
ولماذا لم يتم تحديث هذه المحطة منذ ذلك الحين؟ الإجابة تكمن في غياب الشفافية والإدارة السيئة التي تعاني منها مؤسسات الدولة.
الخسائر الحقيقية: المواطنون يدفعون الثمن
بينما تستمر الحكومة في الترويج لمشاريع الطاقة النظيفة، يتحمل المواطن المصري عبء سوء الإدارة والفساد الحكومي. فبدلاً من تحسين كفاءة المحطات الحالية أو استثمار الأموال العامة في تطوير البنية التحتية للطاقة، تذهب الأموال إلى صفقات مشبوهة مع مستثمرين أجانب دون أي ضمانات حقيقية لمصلحة الشعب المصري.
والمأساة الحقيقية تكمن في أن هذه المحطة الجديدة في الزعفرانة، التي من المفترض أن تكون نموذجًا للتقدم في مجال الطاقة المتجددة، قد تتحول إلى فشل آخر في سجل الحكومة.
هل سيكون هذا المشروع مجرد واجهة لتلميع الصورة الإعلامية، أم أنه سيكون بداية لحل حقيقي لأزمة الطاقة في مصر؟ للأسف، التاريخ الحكومي الطويل في الفساد والتقاعس يشير إلى أن الإجابة على هذا السؤال ستكون غير مرضية.
المستقبل المجهول: هل هناك أمل في التغيير؟
بينما يتم توقيع مذكرات التفاهم وإعلان الأرقام الكبيرة، يبقى المواطن المصري في حالة من الترقب والشك. هل ستتمكن الحكومة المصرية من تنفيذ هذه المشاريع بفعالية؟
أم أنها ستستمر في نمط الفساد الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من عمل مؤسساتها؟ حتى الآن، يبدو أن الحكومة المصرية لا تزال بعيدة كل البعد عن تقديم أي حلول حقيقية لمشاكل الطاقة في البلاد.
بمجرد اكتمال دراسة الجدوى للمشروع الجديد بحلول نهاية 2025، سيكون الشعب المصري هو من يدفع الثمن، سواء من خلال فواتير الكهرباء المرتفعة أو من خلال تدهور البنية التحتية للطاقة التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على مصادر الغاز القديمة.