حزب الله وإسرائيل: تسوية أمريكية .. البنود والمعوقات
تتصاعد حدة التوترات في منطقة الشرق الأوسط مع اقتراب حزب الله اللبناني من حسم موقفه بشأن مقترح التسوية مع إسرائيل الذي قدمته واشنطن في خطوة تهدف إلى تهدئة التصعيد القائم بين الطرفين منذ أسابيع، فقد باتت المنطقة على صفيح ساخن في انتظار الرد الحاسم من حزب الله،
بينما تراقب مختلف الأطراف الإقليمية والدولية الموقف عن كثب، متوجسة من النتائج المترتبة على أي قرار يتخذه الحزب، فالمقترح الأميركي الذي جاء بعد أسابيع من المباحثات والتسريبات يحمل في طياته نقاطاً حساسة قد تغير مسار الأحداث بشكل كبير.
كشفت مصادر مطلعة أن مسودة مقترح وقف إطلاق النار قد وصلت بالفعل إلى حزب الله عبر السفيرة الأميركية ليزا جونسون، حيث تم تسليم نسخة من المسودة إلى رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الذي يتولى قيادة المفاوضات بالنيابة عن الحزب.
هذه المسودة تحتوي على بنود قد تبدو منطقية للبعض، لكنها تحمل في طياتها تعقيدات لا يمكن تجاهلها في ظل التوترات الراهنة بين لبنان وإسرائيل.
بينما ينتظر الجميع رد حزب الله، يبدو أن إسرائيل من جانبها تتعجل الحصول على إجابة واضحة من الحزب بشأن المقترح الأميركي، فقد نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر أن تل أبيب تتوقع رداً لبنانياً في غضون أيام قليلة، وأن هذا الرد قد يحمل معه نتائج حاسمة في ما يتعلق بوقف إطلاق النار أو مواصلة التصعيد.
بنود مقترح الاتفاق المثير للجدل
تتضمن مسودة الاتفاق بنوداً حساسة، على رأسها الاعتراف بأهمية قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الذي صدر عام 2006 لإنهاء العمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل.
كما ينص المقترح على سحب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان خلال سبعة أيام، ليحل محلها الجيش اللبناني تحت إشراف الولايات المتحدة ودولة أخرى لم تُسمَّ بعد. في الوقت نفسه، ينص الاتفاق على أن الجيش اللبناني، إلى جانب قوات اليونيفيل الدولية، هو القوة المسلحة الوحيدة في جنوب لبنان، مع إلزام لبنان بنزع سلاح المجموعات العسكرية غير الرسمية في غضون 60 يوماً من توقيع الاتفاق.
ورغم أن الاتفاق يعطي الحق للطرفين في الدفاع عن النفس إذا استدعى الأمر، فإن العقدة الكبرى تكمن في رغبة إسرائيل في الاحتفاظ بحق مهاجمة مواقع حزب الله حتى بعد توقيع الاتفاق، وهو ما يعتبره لبنان خرقاً صارخاً لسيادته الوطنية ويقف موقفاً حازماً ضد أي محاولة لمنح إسرائيل هذا الحق.
هذه البنود تثير مخاوف واسعة لدى حزب الله الذي يرى أن أي تسوية يجب أن تستند إلى وقف العدوان بشكل كامل وحماية السيادة اللبنانية دون أي انتقاص.
كما أن الحزب يتمسك بأن أي مفاوضات يجب أن تضمن عدم السماح لإسرائيل بالعمل بحرية داخل الأراضي اللبنانية تحت أي ذريعة.
الجيش اللبناني في قلب المواجهة
وسط هذه التوترات، يقف الجيش اللبناني في قلب المعادلة، حيث ستكون عليه مسؤولية تأمين المناطق الجنوبية إذا تم الانسحاب الإسرائيلي، وهو ما يعزز الدور العسكري للجيش في منطقة بالغة الحساسية.
لكن تنفيذ هذا البند قد يواجه تحديات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بنزع سلاح الفصائل المسلحة غير الرسمية المنتشرة في الجنوب، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر في ظل الوجود القوي لحزب الله وتداخل المصالح الإقليمية.
التسريبات الإسرائيلية: عقدة الليطاني
أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن أحد أبرز البنود التي تثير جدلاً واسعاً هو مقترح انسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وهو ما تعتبره إسرائيل خطوة ضرورية لضمان أمنها على الحدود الشمالية.
في المقابل، يرفض حزب الله بشدة هذا البند، إذ يرى فيه محاولة للحد من قدرته على التحرك جنوباً وتقييد حركته بشكل استراتيجي، خاصة مع تزايد الحديث عن منع الحزب من إعادة إقامة أي مواقع عسكرية في الجنوب، وكذلك حظر نقل الأسلحة إليه عبر سوريا.
الموقف اللبناني: السيادة خط أحمر
رئيس البرلمان نبيه بري كان صريحاً في رفضه للبنود التي تمس السيادة اللبنانية، إذ أكد أن لبنان لن يقبل بأي اتفاق يسمح لإسرائيل بالتحرك بحرية داخل أراضيه حتى لو كان ذلك تحت مظلة اشتباه بوجود تهديدات أمنية، فقد شدد بري على أن مثل هذا البند يمس جوهر السيادة اللبنانية ولا يمكن حتى مناقشته.
الحكومة اللبنانية بدورها تنتظر بفارغ الصبر موقف حزب الله الرسمي من المقترح، إذ أن أي قرار سيؤثر بشكل مباشر على التحركات السياسية والعسكرية التي ستتخذها الدولة اللبنانية في الأيام القادمة.
وقد أكد رئيس الوزراء نجيب ميقاتي على أهمية دعم موقف الدولة اللبنانية وتنفيذ القرار 1701 بحذافيره، مشدداً على أن الوحدة الوطنية وعدم إثارة الحساسيات بين اللبنانيين هي أولوية قصوى في هذه المرحلة.
إيران: الدعم الثابت لحزب الله
في ظل هذا المشهد المتأزم، لا يمكن تجاهل موقف إيران الداعم لحزب الله. فقد أكد علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني أن طهران ستدعم أي قرار تتخذه المقاومة اللبنانية، مشدداً على وقوف إيران إلى جانب لبنان في كافة الظروف.
هذه التصريحات تأتي لتؤكد أن أي تحرك لحزب الله لن يكون بمعزل عن الدعم الإيراني، مما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي.
الولايات المتحدة: وسيط أم طرف؟
على الجانب الآخر، تقود الولايات المتحدة الوساطة بين لبنان وإسرائيل، إلا أن هذه الوساطة تتزامن مع اقتراب تسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب السلطة، مما يضيف بُعداً جديداً للأزمة.
فقد أعطى ترامب الضوء الأخضر لإسرائيل لمواصلة التفاوض حول وقف إطلاق النار، وسط توقعات بأن الإدارة الجديدة قد تنتهج سياسة أكثر تشدداً تجاه إيران وحزب الله.
العدوان على لبنان: آثار مدمرة
لا يمكن فصل هذا المشهد عن العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، حيث شنت تل أبيب غارات جوية واسعة النطاق على مختلف المناطق اللبنانية بعد اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، مما أسفر عن آلاف القتلى والجرحى.
هذه الهجمات كانت جزءاً من حملة إبادة جماعية مستمرة شملت معظم مناطق لبنان، بما في ذلك العاصمة بيروت، وأدت إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص، مما يفاقم الوضع الإنساني الكارثي في البلاد.
لبنان أمام مفترق طرق
لبنان يجد نفسه اليوم أمام مفترق طرق حاسم، فقرار حزب الله إما أن يؤدي إلى تهدئة الوضع وفتح باب الحلول الدبلوماسية، أو أن يقود المنطقة إلى مزيد من التصعيد الذي قد يكون له عواقب وخيمة على الجميع.