تقاريرمصر

الحوادث المرورية في مصر: قتل على الأسفلت وفساد حكومي يحول الطرق لمجازر

تتفاقم أزمة حوادث الطرق في مصر، حيث تسجل البلاد سنوياً آلاف القتلى والمصابين في حوادث مروعة، بينما تظل الحكومة عاجزة عن اتخاذ الإجراءات الحقيقية لوقف هذه الكارثة المستمرة.

وبالرغم من الوعود المتكررة بتطوير الطرق وتحسين البنية التحتية، إلا أن الفشل الحكومي والتقصير الفادح في إدارة هذه المنظومة الحيوية قد أدى إلى تفاقم المشكلة.

الأرقام الصادمة لعام 2023 تكشف عن وجود خلل عميق في التعامل مع هذا الملف الحساس، مما يجعل الشوارع المصرية مسرحاً يومياً للموت والدمار.

وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، شهدت مصر في عام 2023 ارتفاعاً كبيراً في عدد المصابين بحوادث الطرق، حيث بلغ عدد المصابين 71 ألفاً، مقارنة بـ 56 ألفاً في العام السابق، بزيادة مروعة وصلت إلى 27%.

وعلى الرغم من هذا الارتفاع الكارثي، تراجعت الوفيات بنسبة 25% لتسجل 5861 قتيلاً مقابل 7762 في عام 2022. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار هذا التراجع نجاحاً، بل هو نتيجة لعدد من العوامل، منها سوء إدارة الحكومة وعدم اهتمامها الجاد بحل جذري لهذه المأساة.

تطوير الطرق: هل هو حل أم مشكلة؟

تشير الحكومة المصرية إلى أنها استثمرت بشكل كبير في تطوير شبكة الطرق في السنوات الأخيرة، وأن مؤشر جودة الطرق قد قفز من المرتبة 118 في عام 2014 إلى المرتبة 28 في عام 2019. ولكن الواقع الميداني يقول شيئاً آخر، حيث تتزايد الحوادث على هذه الطرق المطورة.

المفارقة أن طول الطرق وجودتها لا ينعكسان على انخفاض في عدد الحوادث، بل إن الطرق السريعة في مصر تعتبر الأكثر خطورة، نظراً لارتفاع السرعات عليها وافتقارها إلى نظم سلامة فعالة.

يقول أحد الخبراء في هندسة النقل، إن الطرق السريعة في مصر تشهد حوادث مروعة، بسبب التهور في السرعة. فقديماً، كانت السرعة القصوى لا تتعدى 60 كيلومتراً في الساعة، أما اليوم، فالسيارات تتجاوز 250 كيلومتراً في الساعة، مما يجعل الحوادث على هذه الطرق أكثر فتكاً.

وعلى الرغم من وجود رادارات لرصد المخالفات وتغريم السائقين، إلا أن التهور ما زال هو السمة السائدة. هناك من يعتقد أن الوصول إلى الوجهة بأسرع وقت ممكن أهم من سلامته وسلامة الآخرين، وهذا ما يجعل الطرق السريعة بمثابة حلبة سباق للموت.

النقاط السوداء: إخفاقات حكومية متكررة

الطرق السريعة في مصر ليست فقط خطرة بسبب السرعة، ولكن أيضاً بسبب ما يسمى “النقاط السوداء”، وهي مناطق محددة تتكرر فيها الحوادث سنوياً.

هذه المناطق تكون غالباً منعطفات خطيرة أو منحنيات وسط الجبال، ولا توجد أي علامات تحذيرية أو نظم إضاءة كافية لتنبيه السائقين إليها. يقول خبراء النقل إن هذه النقاط تمثل إخفاقاً فادحاً للحكومة في تأمين سلامة الطرق، حيث لا يتم اتخاذ أي إجراءات جادة لإعادة تصميم هذه المناطق أو تحذير السائقين بشكل مناسب.

ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن مسألة إدارة الطرق السريعة يجب أن تعامل مثل إدارة حركة الطائرات أو القطارات، حيث يلزم وجود إدارة متكاملة لتنظيم حركة المرور وتوفير خدمات طوارئ بالقرب من الطرق السريعة، مثل نقاط الإسعاف والمستشفيات المجهزة. لكن الواقع يقول إن هذه الخدمات غائبة بشكل كبير، مما يزيد من عدد القتلى والمصابين في الحوادث.

فساد وإهمال: الحكومة متورطة في الكارثة

إن السائقين ليسوا وحدهم المسؤولين عن هذه الكارثة، بل إن الحكومة المصرية تتحمل جزءاً كبيراً من اللوم. عدم إنارة الطرق الحديثة بشكل كامل أو ضعف الإنارة في بعض المناطق هو واحد من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى هذه الحوادث.

إضافة إلى ذلك، فإن عدم تطبيق القوانين بشكل صارم ومعاقبة المخالفين بجدية، يعكس حالة من التراخي والتواطؤ، مما يشجع على استمرار الفوضى على الطرق.

ويأتي النقل الثقيل على رأس قائمة المشاكل، حيث إن الشاحنات الثقيلة تمثل الجزء الأكبر من الحوادث على الطرق السريعة.

بعض السائقين يتعاطون المواد المنبهة والمخدرات للبقاء مستيقظين لفترات طويلة، وقد تصل ساعات القيادة المتواصلة إلى 16 ساعة، وهو ما يضاعف من خطورة القيادة ويزيد من احتمال وقوع حوادث مروعة. المنظمات الدولية توصي بأن تكون مدة القيادة المتصلة على الطرق السريعة لا تزيد عن 4 ساعات، ولكن الحكومة المصرية تغض الطرف عن هذه التوصيات، مما يفاقم الوضع.

أرقام صادمة تكشف عن عمق المأساة

التقرير السنوي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2023 يكشف عن أرقام مرعبة حول عدد القتلى والمصابين في حوادث الطرق.

محافظة القاهرة جاءت في صدارة المحافظات من حيث عدد الوفيات، حيث سجلت 718 حالة وفاة. أما إجمالي عدد الوفيات في البلاد، فقد بلغ 5861 قتيلاً، منهم 4902 من الذكور و959 من الإناث.

أما من حيث الإصابات، فقد كانت محافظة الدقهلية الأسوأ، حيث سجلت 14 ألفاً و192 إصابة، وهو رقم مذهل يعكس الفشل الحكومي في توفير بيئة طرق آمنة.

وعلى مستوى الفئات العمرية، كانت الفئة الأكثر تضرراً هي التي تقل أعمارها عن 15 سنة، حيث سجلت 1409 حالات وفاة، وهي مأساة تعكس حجم الإهمال الذي يعاني منه الأطفال والشباب على الطرق المصرية.

الحوادث لا تقتصر على السيارات الملاكي

وعلى الرغم من التركيز الكبير على السيارات الملاكي، إلا أن الدراجات النارية والمركبات ذات الثلاث عجلات تساهم بشكل كبير في الحوادث.

وفقاً لتقرير الجهاز المركزي، تسببت الدراجات النارية في 85 ألف حادث خلال الفترة من 2019 إلى 2023، بينما بلغ عدد حوادث السيارات الملاكي خلال نفس الفترة 93 ألف حادثة. هذا العدد الهائل من الحوادث يعكس عدم وجود أي ضوابط حقيقية للحد من هذه الكارثة.

خلاصة: حكومة متقاعسة وشعب يدفع الثمن

ويبدو أن الحكومة المصرية تتعامل مع حوادث الطرق كأنها قدر لا مفر منه، بدلاً من أن تتخذ الإجراءات الحقيقية للحد منها. الأرقام والحقائق واضحة: هناك فشل ذريع في إدارة شبكة الطرق، وتراخٍ في تطبيق القانون، وفساد مستشرٍ في كل زاوية.

الشعب المصري يستحق أفضل من ذلك. يجب أن يكون هناك محاسبة حقيقية للمسؤولين عن هذا الفشل، ويجب أن يتم اتخاذ خطوات جادة وفورية لوقف هذه المذبحة المستمرة على الأسفلت.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى