التعليم في فلسطين في خطر حقيقي: الهجمات على المدارس تهدد مستقبل الأجيال
في الأسابيع الأخيرة شهدت الأراضي الفلسطينية تصعيدًا غير مسبوق في الهجمات على المدارس والمؤسسات التعليمية في قطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.
وبحسب وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ارتفع عدد الهجمات على المدارس إلى مستويات قياسية حيث تعرضت 69 مدرسة في الضفة الغربية والقدس الشرقية لاعتداءات مباشرة. كما وقع 2,354 حادثًا آخر أثر بشكل مباشر على حياة الطلاب والمعلمين سواء داخل المدارس أو في محيطها.
وتكشف الإحصائيات عن حقيقة مقلقة، حيث أن ما يقارب 84 بالمئة من المدارس في هذه المناطق بحاجة إلى إعادة بناء كاملة أو تأهيل شامل بعد الدمار الذي لحق بها.
الوضع في غزة بالغ الصعوبة، إذ تعرضت 93 بالمئة من مدارس القطاع للتدمير الكامل أو الجزئي. هذه الأرقام تبرز صورة قاسية لما يعانيه القطاع التعليمي في فلسطين جراء الهجمات المستمرة.
وفي هذا السياق، جاء حديث الدكتور أيوب اعليان الوكيل المساعد لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية ليعكس حجم الكارثة التي تعيشها العملية التعليمية في فلسطين.
فخلال حديثه، وجه اعليان نداءً عاجلًا للمجتمع الدولي وللدول الأعضاء في الأمم المتحدة بضرورة توفير الحماية اللازمة للمدارس وتقديم الدعم العاجل لمواصلة التعليم.
وقال أن ما يحدث في فلسطين يعكس نوعًا من “الإبادة التعليمية الجماعية” حيث أن الخسائر فاقت كل التوقعات والأرقام، ما يجعل الوضع أكثر صعوبة على المعنيين بتعليم الأجيال الفلسطينية.
ولم تقتصر الأزمة على الهجمات المباشرة على المدارس، بل تعدتها إلى معوقات أخرى تقف في وجه العملية التعليمية. حيث أشار الوكيل المساعد إلى أن تقطيع أوصال الضفة الغربية وقطع الطرق الرئيسية جعل من الصعب على الطلاب الوصول إلى مدارسهم.
كما أن حجز الأموال الفلسطينية وتعطيل رواتب المعلمين، إلى جانب محاولات فرض المنهج الفلسطيني بالقوة والتأثير عليه، قد خلق عجزًا كبيرًا في سير العملية التعليمية. كل هذه المعوقات جعلت من التعليم في الأراضي الفلسطينية تحديًا حقيقيًا يحتاج إلى تدخل سريع وفاعل من المجتمع الدولي.
وتابع الدكتور اعليان بأن الوضع في غزة وصل إلى درجة من الصعوبة حيث لا توجد مدارس في الواقع بل تم تحويل العديد من الأماكن إلى مدارس إيواء أو خيم تعليمية.
وقال إنه رغم هذه الظروف الصعبة، تمكنت وزارة التربية والتعليم من تفعيل منصات تعليمية افتراضية تتيح للطلاب متابعة دراستهم عن بُعد. حيث تم إلحاق 12 ألف طالب في الضفة الغربية بمدارس افتراضية، وبلغ عدد الطلاب المسجلين على المنصات الإلكترونية 230 ألف طالب وطالبة يتلقون دروسهم بشكل يومي عبر الإنترنت.
وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أكد اعليان أن امتحانات الثانوية العامة ستُعقد في نهاية يناير المقبل، على الرغم من كل التحديات التي تواجه الطلبة.
وأوضح أن هذه الخطوة تمثل بارقة أمل للمئات من الطلاب الذين يواجهون مصيرًا غامضًا بسبب العوائق التي تعترض طريقهم.
لكن رغم كل الجهود المبذولة، إلا أن الوضع في غزة يبقى كارثيًا. حيث تم إغلاق جميع المدارس في القطاع، مما أسفر عن حرمان 39 ألف طالب من إتمام عامهم الدراسي الأخير وعدم تمكنهم من إجراء امتحانات التوجيهي.
هذه هي المرة الأولى منذ عقود التي يعاني فيها الطلاب في غزة من هذا الوضع الذي قد يؤدي إلى تغييب جيل كامل عن إتمام مسيرته التعليمية.
ولا يقتصر الأمر على توقف التعليم فحسب، بل إن هناك تداعيات اجتماعية خطيرة على الشباب الفلسطيني بسبب تعطيل التعليم. فزيادة الاستغلال الاقتصادي للأطفال وعمالتهم، إلى جانب تفشي ظاهرة الزواج المبكر، كلها أمور تفاقمت نتيجة لعدم استقرار الوضع التعليمي.
والأهم من ذلك، أن هناك قلقًا متزايدًا من انقطاع الطلاب عن التعليم بشكل دائم. فقد دفع الخوف من العنف وتدهور الأوضاع النفسية العديد من الطلاب إلى التغيب عن المدرسة، ما يزيد من معاناتهم ويعرضهم لخطر كبير من فقدان التعليم بشكل نهائي.
وأكد المسؤول الفلسطيني على ضرورة رفع جميع الحواجز التي تعيق وصول المساعدات التعليمية إلى غزة، بما في ذلك المواد والطباعة، وكذلك ضرورة توفير مساحات آمنة لإقامة مراكز تعلم تمكن الأطفال من العودة إلى التعليم.
وشدد على أهمية تأمين وصول المعلمين والطلاب إلى المدارس بأمان، وضرورة حصولهم على الحماية اللازمة. كما طالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتهدئة التصعيد في الضفة الغربية بما يسمح للأطفال بالعودة إلى صفوفهم الدراسية في أسرع وقت ممكن، إضافة إلى العمل على إعادة بناء المدارس المتضررة بشكل عاجل.