سيارات قديمة وكهرباء بالممارسة يطردان المعدمين من جنة الدعم المصري
في كارثة إنسانية جديدة، طالت آلاف الأسر المصرية المحرومة من أبسط حقوقها في الحياة، طالما كانت بطاقة التموين هي أملهم الأخير في مواجهة غلاء الأسعار الذي يلتهم كل ما تبقى من قوتهم اليومي.
أعلنت وزارة التموين بشكل مفاجئ إلغاء بطاقات التموين لمواطنين معدمين كان كل ما يملكونه كيس سكر وزجاجة زيت، في خطوة صادمة أفقدت عشرات الآلاف الأمل في الحصول على دعم مستحق، بسبب معايير واهية جعلتهم ضحايا لقرارات عشوائية تعكس تقاعس الحكومة وفسادها.
القرار الذي بدأ في سبتمبر 2024 تحت مسمى “تنقية قوائم المستفيدين”، كان القشة التي قسمت ظهر المواطن البسيط. المبررات التي تذرعت بها الوزارة لم تكن سوى ذرائع تفضح تراجع الحكومة عن مسؤولياتها تجاه المواطنين الأشد فقراً.
فتحت غطاء “التنقية”، تم إلغاء بطاقات التموين للعديد من المواطنين بسبب أمور كانت بعيدة تماماً عن الاستفادة الحقيقية من الدعم، مثل امتلاك سيارة قديمة تعمل عليها كوسيلة نقل مثل “أوبر”، أو الاعتماد على “ممارسة الكهرباء” لعدم توفر عداد كهرباء قانوني.
الذين طُردوا من جنة الدعم لم يكن لديهم ما يعينهم على تحمل المزيد من الأعباء. البعض منهم فوجئ بإيقاف بطاقاتهم بسبب فاتورة كهرباء مرتفعة رغم أنهم يدفعون ما يزيد عن استهلاكهم، والبعض الآخر تم حذفهم بحجة أنهم يملكون سيارات قديمة يعملون عليها لتأمين لقمة العيش.
تزداد حدة الصدمة عندما تكتشف تلك الأسر أن سبب إلغاء بطاقاتها لم يكن إلا خطأ فادحاً، تارة بسبب تقدير جزافي لفاتورة الكهرباء، وتارة أخرى بسبب سوء تقدير لقيمة السيارة التي يمتلكونها.
أحد المواطنين الذي تم حذف اسمه من بطاقة التموين قال: “فوجئت بأن بطاقتي تم إيقافها بسبب امتلاكي سيارة موديل 2010، رغم أنني أعمل سائقاً على تطبيق أوبر لتحسين دخل الأسرة”.
هذه ليست حالة فردية، بل أعداد ضخمة من الأسر التي تم حرمانها من أبسط مقومات الحياة رغم أنها بحاجة ماسة إلى الدعم الذي كان يمثل لهم الأمل الوحيد في ظل التضخم الرهيب وارتفاع الأسعار الجنوني.
أم أخرى أُجبرت على التوجه إلى مكتب التموين بعد أن تم إلغاء بطاقتها بسبب وفاة والدتها. تقول: “أرسلت جميع الأوراق عبر الموقع الإلكتروني للوزارة ولكن لا حياة لمن تنادي”.
بينما مواطن آخر فوجئ بإيقاف بطاقته بسبب “ممارسة الكهرباء”، رغم أنه يستهلك ما يحتاجه فقط. تلك الحكايات تتكرر بشكل مرعب، ما جعل من المؤكد أن ما يحدث ليس أخطاء إدارية، بل ممارسات متعمدة للتضييق على الفقراء وحصر الدعم في أيدي غير مستحقيه.
ما يحدث الآن هو نتيجة سياسة فاشلة لتحجيم الدعم الموجه للفقراء، متذرعة بتبريرات غير منطقية، في الوقت الذي يتعاظم فيه الفساد داخل الوزارة، وتثبت التقارير اليومية أن تلك القرارات تعكس تقاعساً متعمداً من الحكومة، ليس فقط عن تقديم الدعم للمحتاجين، بل وأيضاً عن معالجة الأخطاء الإدارية التي تضر بالمواطنين البسطاء.
تلك القرارات تقف وراءها ممارسات فاسدة، تجلت في عمليات اختلاس أموال الدعم، حيث تم القبض على رئيس مكتب تموين الموسكى وزملائه بتهمة تكوين شبكة فساد للاستيلاء على أموال الدعم، وتعديل بطاقات التموين بطريقة غير قانونية.
وعلى الرغم من القرارات العشوائية التي اتخذت بإلغاء البطاقات، الحكومة تجد نفسها مضطرة للرجوع خطوة إلى الوراء بعد أن اشتعلت الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بدأ المواطنون في العودة إلى مواقعهم السابقة في قوائم المستفيدين.
ولكن هل هذا هو الحل الحقيقي؟ وهل عودة الدعم أمر كافٍ لإخفاء الفشل الحكومي الواضح في إدارة هذه الأزمة؟
في الوقت الذي تعلن فيه وزارة التموين عن أرقام ضخمة تشير إلى حجم الدعم الموجه للمواطنين، فإن المواطن العادي لا يرى أي تأثير لهذا الدعم على حياته.
حيث تشير التقارير إلى أن عدد المستفيدين من بطاقات التموين يصل إلى 61.4 مليون مستفيد بتكلفة إجمالية تقدر بـ 36 مليار جنيه، بينما يظل الدعم الموجه لكل مواطن ضئيلاً في ظل غلاء الأسعار المستمر.
تستمر الحكومة في تجنب معالجة المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الشعب، متجاهلة الفساد المستشري في منظومة التموين.
التوزيع غير العادل، والمعايير المجحفة التي تم تطبيقها، تركت عشرات الآلاف في مواجهة كارثة اجتماعية. بل إن هناك من يتساءل: هل الحكومة فعلاً تريد دعم المواطنين أم أنها مجرد واجهة تنفذ قرارات تتسبب في سحق الفقراء؟
الحديث عن الدعم النقدي كحل بديل يبقى مجرد شعار، خاصة في ظل غياب الرقابة الحقيقية على توزيع الدعم. فالدعم النقدي يتطلب شفافية وعدلاً حقيقياً في تطبيقه، وهو أمر لا يبدو أن الحكومة جاهزة لتنفيذه بالطريقة الصحيحة.
بدلًا من ذلك، يظل المواطنون يعانون من قرارات عشوائية، وحذف غير مبرر للعديد من بطاقات التموين، ليواجهوا مصيراً مظلماً في ظل غياب حلول حقيقية للمشاكل الاقتصادية.
إن الوضع الحالي يتطلب تحركاً عاجلاً من الحكومة لوضع حد لهذا العبث وإعادة النظر في طريقة توزيع الدعم بشكل عادل.
ما يحدث الآن يعكس فشلاً ذريعا في سياسة الحكومة تجاه الفقراء والمعدمين الذين يحتاجون إلى الدعم الفعلي لا إلى مزيد من التهميش والحرمان.