في واقعة تكشف عن تدهور غير مسبوق في إدارة المشروعات القومية بمصر وتفضح تقاعس الحكومة في الوفاء بتعهداتها، يدرس أكبر بنكين حكوميين في البلاد، البنك الأهلي المصري وبنك مصر، ترتيب قرض مشترك يصل إلى 33 مليار جنيه لصالح الهيئة القومية للأنفاق التابعة لوزارة النقل.
بينما تتساقط وعود الحكومة وتحل المشاكل المالية على حساب الشعب المصري، تزداد الفضائح التي تكشف عن ضعف الرقابة والفساد الذي يحيط بهذه المؤسسات.
وفقاً للمصادر، فإن البنكين الكبيرين يعملان على تكوين تحالف بنكي يضم مجموعة من البنوك الخاصة، وذلك لتغطية وتسويق هذا التمويل الذي سيكون لأجل 15 عامًا.
ووفقًا للاتفاق الذي يتم التفاوض عليه حاليًا، فإن الفائدة ستكون هي نفسها فائدة البنك المركزي المصري الحالية، بالإضافة إلى 20 نقطة أساس.
بينما تتفاخر الحكومة بالتوصل إلى هذا التمويل، فإن السؤال الأهم هو: لماذا يتوجب على الشعب المصري أن يتحمل عبء ديون جديدة لدعم مشروعات النقل التي من المفترض أن تُحسن من جودة حياتهم؟
تم تحديد موعد توقيع عقد التمويل في يناير المقبل، في الوقت الذي كان فيه من المفترض أن تكون هذه المشاريع قد تم تمويلها وإتمامها منذ سنوات.
لكنها في الواقع تواصل تأجيلاتها وتأخراتها، في حين يزداد رصيد الدولة من الديون التي لم تثمر عن أي تحسن ملحوظ في حياة المواطنين. ما الذي يضمن أن هذا القرض الجديد لن يكون مجرد استمرار لمسلسل الفشل الحكومي؟ ومتى سيتوقف هذا النزيف المالي الذي يلتهم أموال الشعب المصري؟
في أغسطس الماضي، كانت الهيئة القومية للأنفاق قد طالبت بتدبير تمويل يصل إلى 74 مليار جنيه، وذلك بغرض استكمال تمويل مشروعات خطوط مترو الأنفاق، بالإضافة إلى سداد مستحقات شركات المقاولات العاملة في مشروعات النقل الكهربائي.
ولكن يبدو أن الحكومة كانت غير قادرة على توفير هذا المبلغ، فتم تخفيض الطلب إلى 33 مليار جنيه بعد أن قررت الهيئة دبر تمويلات ذاتية، وهو ما يعكس هشاشة الوضع المالي وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها.
لكن المفاجأة الكبرى في هذه القصة هي تصرفات الحكومة بعد موافقة مجلس النواب في سبتمبر 2020 على تعديل قانون الهيئة القومية للأنفاق لتصبح هيئة اقتصادية عامة.
هذا التعديل، الذي يتيح للهيئة استغلال أصولها لتغطية مصروفات تشغيل مرافق النقل الخدمية، كان من المفترض أن يكون خطوة كبيرة نحو تحسين إدارة المشروعات الكبرى في مصر.
لكن، في الواقع، لم يؤدِ هذا التعديل إلى أي نتائج ملموسة على الأرض. بل ظل الفساد المالي والإداري مستشريًا داخل الهيئة، ما أدى إلى تراكم الديون والإخفاق في تنفيذ المشروعات.
تقديرات موازنة الهيئة القومية للأنفاق للعام المالي 2024-2025 وصلت إلى 228.1 مليار جنيه، بزيادة 24% عن العام المالي الماضي، وفقًا لبيانات الهيئة.
وعلى الرغم من هذه الزيادة الكبيرة في الميزانية، فإن الهيئة لم تتمكن من توفير الإيرادات الكافية لسد احتياجات مشروعاتها المتعثرة. حتى أن الإيرادات المتوقعة للهيئة في العام المالي الحالي لا تتجاوز 5.3 مليار جنيه، وهو مبلغ لا يساوي شيئًا مقارنة بحجم الإنفاق الذي تتطلبه مشروعات النقل الكبرى في مصر.
من المؤكد أن هذه الأرقام تعكس عجزًا مستمرًا في إدارة المال العام، ويؤكد الفشل الواضح للحكومة في استثمار أموال الشعب في مشاريع تساهم في تحسين البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.
بل إن ما نراه هو استمرار للفساد الذي يحول الموارد المالية إلى جيوب المسؤولين دون أن يلمس المواطن أي تحسن في مستوى حياته.
والسؤال المطروح هنا هو: ماذا يحدث في الداخل؟ كيف يتم إهدار مليارات الجنيهات في مشروعات متعثرة وأين تذهب الأموال؟ لماذا يستمر هذا الوضع رغم تأكيدات الحكومة المتكررة بأنها تعمل على تحسين الوضع الاقتصادي؟ إن استمرار هذه السياسات المالية الهشة يعد بمثابة استهتار بقدرة الشعب المصري على الصمود أمام هذه الأزمات المتكررة.
إن فضيحة القرض المشترك التي يتزعمها البنك الأهلي وبنك مصر تكشف عن تقاعس الحكومة وفساد المؤسسات العامة في مصر.
فبينما يستمر التأجيل والتراخي في تنفيذ المشاريع الحيوية، يتضاعف عبء الديون على الدولة وعلى الشعب الذي يعيش في ظل ظروف اقتصادية صعبة. وستبقى هذه المشروعات معلقة والوعود مجرد كلمات جوفاء تضاف إلى سجل طويل من الفشل الحكومي.