في خطوة جديدة تكشف عن التواطؤ الواضح بين مؤسسات الدولة والشركات الكبرى وتضع الحكومة المصرية في دائرة الشك والاتهام بفسادها المتفشي حصلت شركة مصر للبترول على قرض ضخم بقيمة 10 مليارات جنيه من تحالف مكون من ثمانية بنوك مصرية القرض الذي يمتد لمدة خمس سنوات يثير الكثير من التساؤلات حول الشفافية والنزاهة في التعاملات الحكومية
ورغم أن الهدف المعلن هو دعم توسعات الشركة وزيادة المخزون الاستراتيجي من المنتجات البترولية إلا أن هذه الخطوة تثير جدلاً واسعاً حول مدى صحة الإجراءات القانونية التي تحكم هذه الصفقة ومدى استفادة الشعب المصري من هذه الأموال الضخمة
التحالف البنكي المشارك في هذه الصفقة يتكون من مجموعة من أبرز البنوك المصرية وهي البنك الأهلي المصري وبنك مصر وبنك القاهرة والبنك التجاري الدولي وبنك قطر الوطني الأهلي وبنك قناة السويس والبنك العربي الإفريقي الدولي والبنك الأهلي الكويتي وهي مؤسسات مالية يفترض أن تعمل لصالح تنمية الاقتصاد الوطني ودعم المشروعات القومية
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل هذه البنوك بالفعل تسعى لتحقيق المصلحة العامة أم أن هناك أيادي خفية تدير اللعبة لتحقيق مصالح خاصة على حساب المال العام؟
توقيت هذا القرض الذي يأتي في وقت يشهد فيه الاقتصاد المصري تدهوراً ملحوظاً يثير الريبة فالحكومة المصرية تتحدث منذ سنوات عن الحاجة إلى ترشيد النفقات والضغط على المواطنين بحجة تحسين الوضع الاقتصادي وتقليل الدين العام وفي نفس الوقت يتم ضخ مليارات الجنيهات لدعم شركات عملاقة تحت ذريعة توسعات استراتيجية لا يشعر المواطن العادي بأي أثر لها على حياته اليومية
ومع تزايد التساؤلات حول جدوى هذا القرض نجد أن الحكومة المصرية تصر على تقديم نفس التبريرات المتكررة التي لا تقنع أحداً فالحكومة تدعي أن هذه الخطوة تأتي في إطار خطتها لتعزيز الأمن الطاقي وزيادة القدرة التخزينية من المنتجات البترولية بهدف حماية الاقتصاد المصري من أي أزمات طاقية محتملة ولكن هل حقاً تسعى الحكومة لحماية الاقتصاد المصري أم أن هذا القرض مجرد وسيلة أخرى لتكديس الأموال في جيوب الفاسدين وأصحاب المصالح؟
القرض الضخم الذي حصلت عليه شركة مصر للبترول يعكس بوضوح الفجوة بين ما تدعيه الحكومة وبين الواقع فعلى الرغم من كل الحديث عن الإصلاحات الاقتصادية والمشروعات القومية الكبرى إلا أن المواطن المصري لا يرى شيئاً من هذه الوعود على أرض الواقع بل على العكس تماماً يبدو أن الفساد هو الذي ينمو ويتوسع في جميع قطاعات الدولة
الأرقام المعلنة حول هذا القرض تثير الدهشة فـ10 مليارات جنيه ليست مبلغاً بسيطاً بل هي أموال ضخمة كان يمكن توجيهها لتحسين البنية التحتية أو تطوير التعليم والصحة وهي القطاعات التي تعاني من تدهور شديد في مصر ومع ذلك اختارت الحكومة أن توجه هذه الأموال لشركة واحدة تحت مزاعم التوسعة الاقتصادية هذا التصرف يعكس مدى استهتار الحكومة بحياة المواطنين واحتياجاتهم الأساسية
وهنا يظهر دور البنوك المصرية التي بدلاً من أن تعمل على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تساهم في توفير فرص العمل وتقليل البطالة نجدها تتسابق في تقديم القروض الضخمة للشركات الكبرى التي غالباً ما تكون مدعومة من قبل الحكومة نفسها هل يمكن القول أن هذه البنوك تعمل لصالح الشعب أم أن هناك من يديرها لتحقيق مصالح نخبة معينة على حساب الأغلبية؟
القرض الذي يمتد لخمس سنوات يعني أن هذه الأموال ستظل ديوناً على عاتق الأجيال القادمة ومع ذلك لا يوجد أي ضمان بأن هذه الأموال ستستخدم فعلياً في تحسين الاقتصاد الوطني أو تعزيز القدرات الإنتاجية لشركة مصر للبترول فمن المعروف أن الفساد في المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى يتغلغل إلى حد يجعل من الصعب التحقق من كيفية استخدام هذه الأموال
الفساد المستشري في هذا النوع من الصفقات يعيد إلى الأذهان الكثير من الفضائح المالية السابقة التي تورطت فيها الحكومة المصرية وشركاتها الكبرى والتي غالباً ما تنتهي بتراكم الديون على الدولة دون أي فائدة حقيقية تعود على المواطن المصري فإلى متى سيظل هذا الوضع قائماً؟ وهل ستستمر الحكومة في تقديم التبريرات الفارغة أم أن الوقت قد حان لكشف المستور ومحاسبة الفاسدين؟
في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمات اقتصادية خانقة وتحاول الحكومة فرض مزيد من الضرائب على المواطنين بحجة الحاجة إلى تمويل مشروعاتها نجد أن المليارات تُمنح للشركات الكبرى دون أي خطة واضحة أو رقابة حقيقية الأمر الذي يثير تساؤلات ملحة حول أولويات الحكومة وهل تسعى بالفعل إلى تحسين الوضع الاقتصادي للمواطن أم أن الهدف هو تمويل شبكات الفساد التي أصبحت تتحكم في مفاصل الدولة؟
لا يمكن إنكار أن هذه الصفقة تمثل واحدة من أكبر الفضائح المالية في تاريخ مصر الحديث وإذا كانت الحكومة تعتقد أن بإمكانها الاستمرار في تقديم الأعذار الواهية وإخفاء الحقائق عن الشعب فإن هذا الرهان خاطئ فالمواطن المصري أصبح أكثر وعياً وإدراكاً لما يجري خلف الكواليس والأرقام التي تكشفها هذه الصفقة ما هي إلا دليل جديد على أن الفساد في مصر أصبح هو القاعدة وليس الاستثناء
الحديث عن ضرورة زيادة المخزون الاستراتيجي من المنتجات البترولية قد يبدو للوهلة الأولى منطقياً ولكن هل فعلاً يحتاج الأمر إلى 10 مليارات جنيه؟ وهل هذه الأموال ستُستخدم حقاً لهذا الغرض أم أن الفساد سيبتلعها كما ابتلع غيرها من الأموال العامة؟