في مشهد غير مسبوق تجمعت حشود ضخمة من الفرنسيين في شوارع العاصمة باريس معلنين عن تضامنهم الكامل مع الشعب الفلسطيني في مواجهته البطولية ضد آلة الحرب الإسرائيلية
وقد توافد عشرات الآلاف من المواطنين من مختلف الفئات الاجتماعية والمهنية إلى وسط العاصمة قبل ساعات قليلة من انطلاق المباراة المرتقبة بين منتخب فرنسا ومنتخب الاحتلال على ملعب بارك دي برينس
في مشهد يعكس عمق الغضب الشعبي الفرنسي ضد العدوان المستمر على غزة التي تعيش حالة من الحصار والدمار بسبب القصف الوحشي الذي لا يتوقف منذ أسابيع
الاحتجاجات التي اجتاحت العاصمة الفرنسية كانت بمثابة صرخة مدوية في وجه المجتمع الدولي الذي يواصل الصمت إزاء الجرائم المرتكبة ضد الأبرياء في غزة وحملت المظاهرات شعارات دعت إلى وقف القصف فورا وتحقيق العدالة للفلسطينيين الذين يعانون من ويلات الحروب وأكاذيب الحكومات التي تزعم الحرص على السلام في المنطقة بينما هي في الواقع تشعل المزيد من نيران الصراع
ما جعل هذا الاحتجاج يكتسب زخماً قوياً هو توقيته الذي يتزامن مع المباراة الدولية بين منتخب فرنسا ومنتخب الاحتلال الإسرائيلي التي كانت مبرمجة مسبقاً وقد أثار هذا التوقيت الجدل بين كثير من المشاركين في المظاهرات الذين رأوا فيه فرصة مثالية لرفع الصوت عالياً ضد تصرفات حكومة بلادهم وكذلك ضد أي مظاهر لتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي في وقت تشهد فيه فلسطين تصعيداً دمويّاً لا مثيل له
انطلقت التظاهرات في نقاط عدة من العاصمة الفرنسية وكانت البداية في منطقة الشانزليزيه الشهيرة حيث تجمعت مجموعات من الشباب والنساء والأطفال حاملين الأعلام الفلسطينية ورافعين لافتات كتب عليها شعارات مناهضة للاحتلال ومطالبة بوقف المجزرة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في حق الأطفال والنساء في غزة يضاف إلى ذلك تنديدهم بمواقف الحكومة الفرنسية التي كانت في نظرهم غير متوازنة في دعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم بل على العكس كانت مواقفها أقرب إلى دعم سياسات الاحتلال
المحتجون لم يقتصروا فقط على الكلمات بل حاولوا التعبير عن معاناتهم عبر وسائل مختلفة إذ رددوا الأناشيد الوطنية الفلسطينية في الشوارع بالإضافة إلى وقفات احتجاجية أمام السفارة الإسرائيلية في باريس حيث طالبوا المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوضع حد لهذا الصراع الذي أسفر عن مقتل مئات المدنيين الأبرياء في غزة من بينهم أطفال ونساء وكبار السن الذين لم يجدوا سوى الدمار والموت في انتظار نهاية لهذه الكارثة الإنسانية التي باتت تزداد تعقيداً مع كل يوم يمر
يعتبر الفرنسيون أن الصمت الدولي إزاء جرائم الاحتلال في غزة يعتبر نوعاً من التواطؤ مع الأنظمة التي تدعم الحرب وترعى الجرائم وهو ما دفع العديد من السياسيين الفرنسيين إلى دعم المظاهرات والإعراب عن تأييدهم لحقوق الشعب الفلسطيني كما دعا بعضهم إلى وقف صادرات الأسلحة الفرنسية إلى إسرائيل والتي تستعمل ضد المدنيين الفلسطينيين في انتهاك صارخ للقوانين الدولية وحقوق الإنسان
أما في وسائل الإعلام الفرنسية فقد تداولت القضية بشكل موسع وتنوعت الآراء بين المؤيد والمناهض لهذا التحرك لكن الصورة الأكبر كانت في نشر أجواء الاحتقان الشعبي الذي يسود فرنسا بسبب سياسات الحكومة الفرنسية وتوجهاتها في دعم الاحتلال حيث طالب عدد من الصحفيين بضرورة مراجعة هذه السياسات في ظل التغيرات التي تطرأ على الرأي العام الفرنسي تجاه القضية الفلسطينية
كما شهدت الاحتجاجات في باريس تعبيرات عديدة عن التضامن مع الفلسطينيين من قبل مجموعات شبابية ومؤسسات من المجتمع المدني حيث شارك فيها العديد من المنظمات الحقوقية التي أكدت على ضرورة محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على انتهاكاته المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وعلى رأسها قضية قتل الأطفال والمجازر الجماعية التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في غزة خلال الأسابيع الماضية
ورغم أن الحكومة الفرنسية دعت مراراً إلى التهدئة إلا أن المظاهرات كانت بمثابة رسالة شعبية قوية مفادها أن الشعب الفرنسي لن يقف مكتوف اليدين أمام ما يحدث في فلسطين وأنه سيظل يقف إلى جانب الحق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل الطرق المشروعة وفي هذا السياق أعرب المشاركون في الاحتجاجات عن استنكارهم لما اعتبروه مواقف ضبابية وغير كافية من قبل حكومة بلادهم في الضغط على إسرائيل لوقف الاعتداءات على الفلسطينيين
لم تقتصر المظاهرات على العواصم الكبرى بل انتشرت أيضاً في مدن فرنسية أخرى حيث شهدت مدينة مرسيليا ومدن نانت وليون العديد من التظاهرات التي تضامنت مع غزة وعبرت عن رفضها للحرب التي تشنها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين وحملت هذه المظاهرات شعارات مماثلة لتلك التي ظهرت في باريس والتي تؤكد على ضرورة وقف القصف فوراً والعمل على تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة
وقد أثار هذا الحراك الشعبي ضغوطاً سياسية على الحكومة الفرنسية التي كانت تواجه انتقادات متزايدة بسبب مواقفها المتراوحة في دعم القضية الفلسطينية فبينما تمسك البعض بمواقف داعمة لإسرائيل تزايدت الأصوات المطالبة بتغيير هذه السياسات التي أضحت تمثل عبئاً على علاقات فرنسا مع شعوب العالم العربي والإسلامي التي ترى في موقف فرنسا استمراراً لدعم الاحتلال
ولم يكن هذا الاحتجاج مجرد تظاهرة عابرة بل كان بمثابة إعلان عن بداية مرحلة جديدة من التفاعل الشعبي مع القضية الفلسطينية في فرنسا ومع كل تطور في الوضع في غزة من المؤكد أن الشارع الفرنسي سيواصل تحركاته بشكل أكبر وأوسع بل سيضغط بكل ما أوتي من قوة على الحكومة الفرنسية لإحداث تغيير في سياستها تجاه فلسطين حتى يتحقق العدالة لشعبها