في وقت حساس من تاريخ مصر وفي أحد فصول القمع السياسي الذي شهدته البلاد، يخرج مستشار إعلامي سابق في رئاسة الجمهورية ليكشف ما كان يدور خلف الأبواب المغلقة في الدولة العميقة.
نشر طارق المهدوي، المستشار الإعلامي السابق في الهيئة العامة للاستعلامات، منشورًا صادمًا على صفحته الشخصية في الفيس بوك، يتحدث فيه عن كواليس محاولات تقزيم السياسيين المعارضين لنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ويكشف خبايا تعامل النظام المصري مع المعارضين السياسيين في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2005.
في تلك الانتخابات، والتي شهدت فوز حسني مبارك، إذ حصل على 88% من الأصوات، بينما جاء أيمن نور في المرتبة الثانية بحصوله على 8% من الأصوات.
لكن النتيجة السياسية كانت أبعد من الأرقام، إذ أن النتيجة كانت بداية مرحلة جديدة من القمع والملاحقة ضد كل من يجرؤ على تحدي النظام. لم يكن فقط التصعيد في الخطاب الإعلامي ضد أيمن نور هو ما كانت تروج له الدولة، بل كان يتعدى ذلك إلى تدابير أكثر سرية وقمعية.
ففي تلك اللحظات، استشعر مبارك خطورة المنافسين على حكمه، وكان أيمن نور يمثل تهديدًا جديًا له، الأمر الذي دفعه للبحث عن سبل متعددة لتقزيمه وكبح جماحه.
ويكشف طارق المهدوي في منشوره أنه كان أحد الأهداف التي تم استهدافها من قبل النظام في محاولات إضعاف نور جماهيريًا. المهدوي، الذي كان يعمل كمستشار إعلامي في رئاسة الجمهورية، يروي كيف تم تكليفه من قبل أحد الوزراء الاستماع إلى وجهات نظره بشأن كيفية “تقزيم” أيمن نور.
وكانت المهمة أكثر تعقيدًا من مجرد تقليل شعبيته؛ فقد كانت تطال مساحات أوسع من السياسة والإعلام، مع الأخذ في الاعتبار الخلفية الشخصية للمهدوي وعلاقته بأيمن نور، والتي كانت علاقة صداقة رغم الاختلافات السياسية بينهما.
كانت رؤية المهدوي واضحة؛ فقد نصح الوزير بأن استضافة أيمن نور في برنامج حواري مع شخصية ماركسية قد يكون الحل الأفضل لتقليل تأثيره جماهيريًا. وبحسب المهدوي، فإن نور سوف يخسر أمام خصمه في أي حوار حول القضايا الاجتماعية، وهو ما كان سيساعد النظام في تقليصه جماهيريًا.
لكن المدهش في الأمر أن هذا الاقتراح الذي كان يبدو منطقيًا من الناحية الإعلامية لم يحظَ بقبول السلطات، بل قوبل بالرفض التام. فوفقًا للمهدوي، تلقى رفضًا قاطعًا من الوزير الذي أبلغ المستشار أن رأيه كان “مرفوضًا شكلاً وموضوعًا”، وأن تنفيذ الاقتراح سوف يكون له عواقب وخيمة على الدولة والنظام.
ويضيف المهدوي أنه تم إبلاغه بأن أي خطوة تمنح أيمن نور مساحة في الإعلام الرسمي سوف تساعد في “تنجيمه” لا “تقزيمه”، وأن أي انتصار له على خصمه الماركسي قد يؤدي إلى تقوية موقفه السياسي، وهو ما كان مرفوضًا تمامًا من قبل الحكومة. في النهاية، كانت وجهة نظر أخرى قد تم تبنيها، وجهة نظر استخباراتية أكثر قمعًا، والتي تضمن اعتقال أيمن نور في ديسمبر 2005، ليظل في السجون حتى فبراير 2009 بتهمة مشكوك في صحتها.
هذه الحكاية ليست مجرد تفصيل في تاريخ انتخابات مصرية، بل هي جزء من صورة شديدة القتامة لحكومة كانت جاهزة لسحق أي معارض، بل مستعدة لاستخدام كل الأساليب الممكنة، بدءًا من التهم الملفقة إلى الاعتقال الجماعي.
تقاعس الحكومة كان واضحًا في السماح باستمرار هذا القمع على مدار سنوات طويلة، وأيما كانت القوة التي سعى النظام لترسيخها، كانت على حساب حقوق المواطنين والمعارضين.
إن القضية لم تكن مجرد انتخابات أو نتيجة استحقاق سياسي، بل كان النظام يواجه أي تهديد محتمل بقوة وإجراءات غير قانونية. رفض الوزارة لتنفيذ نصيحة المستشار المهدوي كان يحمل دلالات واضحة، فالنظام كان يخشى أن يؤدي أي دعم إعلامي لشخصية معارضة إلى تغيير في المزاج الشعبي، ما قد يفضي إلى فقدان السيطرة.
وبالتالي، كانت الحلول الوحشية هي الخيار الذي تم اتخاذه، حيث تم استهداف أيمن نور عبر عملية اعتقال سياسية تظل تثير التساؤلات حول العدالة والمساواة في هذا البلد.
منذ تلك اللحظات، أصبحت الطريقة التي تعامل بها الحكومة مع المعارضة واضحة: تقليص، قمع، وإقصاء. ولم يكن الأمر مقتصرًا على شخص واحد أو على قضية بعينها، بل كانت الصورة الأوسع هي استهداف أي شخص يتجرأ على انتقاد النظام أو يعبر عن رأي مخالف.
ولم يكن هذا التقاعس فقط على مستوى السياسة أو الإعلام، بل كان واضحًا في محاولات سحق كل صوت يرفع راية التغيير، كما حدث مع أيمن نور وغيره من المعارضين.
الملاحظ هنا أن مثل هذه التصرفات لا تقتصر على فترة معينة، بل هي جزء من استراتيجية طويلة المدى اتبعها النظام المصري لاستمرار هيمنته على الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد.
طيلة سنوات حكم حسني مبارك، كانت الدولة تُستخدم كأداة لتدمير أي نوع من أنواع المعارضة، وهو ما أدى إلى تفشي الإحباط بين المواطنين وفقدان الثقة في العملية السياسية برمتها.
من الواضح أن الحكومة كانت تحاول حماية نفسها من أي تهديد داخلي، مهما كان صغيرًا، عبر تدمير كل محاولة للمعارضة السياسية أو حتى الانتقاد المعتدل.
ما حدث مع أيمن نور لم يكن مجرد عملية اعتقال، بل كان جزءًا من سياسة قمعية ترسخت في مصر بشكل سافر دون خجل أو تردد.
اليوم، ونحن نعيد النظر في تلك الحقبة، نكتشف حجم الكارثة التي كنا نعيش فيها؛ كارثة كانت تتمثل في خنق الحياة السياسية، ومنع كل صوت حر يعبر عن رأيه أو يعترض على القمع المستمر.