طارق العوضي يكتب: حملات التشهير ضد مصر الأسباب والتداعيات
تتعرض مصر في السنوات الأخيرة لموجات متتالية من حملات التشهير المنظمة التي تستهدف النيل من مكانتها وتشويه صورتها على الساحتين الإقليمية والدولية.
وتتخذ هذه الحملات أشكالاً متعددة، من الانتقادات الحادة للسياسات الاقتصادية إلى الهجوم المتواصل على الأوضاع السياسية والحقوقية، مروراً بتضخيم التحديات الداخلية وتصويرها بشكل مشوه للرأي العام العالمي.
ويمكن فهم هذه الحملات في إطار أوسع من الصراع على النفوذ في المنطقة، حيث تمثل مصر بموقعها الاستراتيجي وثقلها السياسي والثقافي محوراً أساسياً في توازنات القوى الإقليمية.
غير أن التحديات الداخلية وبعض السياسات المحلية تسهم بشكل كبير في توفير مادة خصبة لهذه الحملات وتمنحها قدراً من المصداقية لدى المتلقي الخارجي.
وتبرز في هذا السياق إشكالية تحجيم دور المعارضة وتبني سياسة الصوت الواحد في المشهد الإعلامي والسياسي المصري؛ فغياب المنابر المتعددة للرأي والرأي الآخر، وضعف تمثيل التيارات السياسية المختلفة في وسائل الإعلام الرسمية، يخلق فراغاً تستغله القنوات الخارجية المعادية لبث خطابها المناهض للسياسات المصرية.
كما أن لجوء بعض المعارضين للمنصات الخارجية – في ظل ضيق المساحات الداخلية – يمنح هذه القنوات زخماً إضافياً ويضفي على خطابها مظهراً من مظاهر المصداقية.
ويضاف إلى ذلك ملف المحبوسين على ذمة قضايا الرأي، الذي يشكل مادة دسمة لحملات التشهير ويوفر أرضية خصبة للمكايدات السياسية مع السلطة.
فطول مدد الحبس الاحتياطي في بعض القضايا، وتزايد أعداد المحبوسين على خلفية قضايا النشر والتعبير، يثير انتقادات متواصلة من المنظمات الحقوقية الدولية ويضع مصر في موقف دفاعي أمام المجتمع الدولي.
وتتفاقم المشكلة مع تحول بعض المحبوسين السابقين إلى ناشطين خارج البلاد، يوظفون تجاربهم الشخصية في تأجيج الخطاب المناهض للسياسات المصرية. كما أن تبني منظمات دولية لقضايا المحبوسين يضفي بعداً دولياً على القضية ويجعلها مادة ثابتة في تقارير حقوق الإنسان وبيانات المنظمات الدولية.
وتنعكس هذه الأوضاع سلباً على العلاقات الدولية لمصر، حيث تتعقد العلاقات مع بعض الشركاء الدوليين وتتزايد الانتقادات في المحافل العالمية. كما تتأثر الجوانب الاقتصادية، من تراجع في الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى تحفظ بعض المؤسسات الدولية على التعاون، مروراً بتأثر قطاع السياحة بالصورة السلبية المتداولة عن الأوضاع في مصر.
ولعل المخرج من هذه الدائرة المغلقة يكمن في تبني إصلاحات جذرية تعالج أسباب المشكلة لا مظاهرها فقط.
فتطوير المنظومة القانونية والقضائية، وتحديث التشريعات المتعلقة بالحريات العامة، وتفعيل البدائل القانونية للحبس الاحتياطي، كلها خطوات ضرورية لتحسين الواقع وتفويت الفرصة على المتربصين.
كما أن تبني نهج أكثر انفتاحاً تجاه التعددية السياسية والإعلامية، وفتح قنوات حوار حقيقية وموضوعية ومستقله مع مختلف التيارات السياسية، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، من شأنه أن يخلق مناخاً صحياً للحوار المجتمعي ويقلل من فرص استغلال الملفات الداخلية في حملات التشهير الخارجية.
وفي الجانب الإعلامي، يبدو ضرورياً تطوير استراتيجية متكاملة للتواصل مع الخارج، تعتمد الشفافية في التعامل مع الانتقادات وتوفر معلومات موثقة عن القضايا المثارة. كما أن تفعيل دور السفارات والمؤسسات الرسمية في التواصل مع المنظمات الدولية وتنظيم زيارات للوفود الحقوقية يمكن أن يساهم في تصحيح الصورة المغلوطة وبناء جسور الثقة مع المجتمع الدولي.
إن مواجهة حملات التشهير لا تتحقق فقط بالرد الإعلامي أو الدبلوماسي، بل تتطلب معالجة جذرية للتحديات الداخلية وتطويراً حقيقياً للمناخ السياسي والحقوقي.
فكلما نجحت مصر في تطوير أدائها الداخلي وتعزيز الحريات وتحسين آليات الحوار المجتمعي، كلما أصبحت أكثر تحصيناً في مواجهة حملات التشهير وأقدر على تفنيد الادعاءات المغرضة والرد عليها بالحقائق والوقائع لا بالشعارات والخطابات.