قُضي الأمر وأصبح ترامب هو الرئيس الجديد لأمريكا خلال السنوات الأربع القادمة، ويمكن القول إن غزه تعاقب (كاميلا هاريس ) والحزب الديمقراطي على تورطهم في إبادة جماعية في قطاع غزه، وهذا الأمر سيكون له ما بعده فيما يتعلق بحسابات أي مرشح سياسي في المستقبل إذ عليه أن يحترم الصوت العربي والمسلم في أمريكا،
وهذا واحد من أهم الدروس المهمة جدًا للساسة في أمريكا، أن العرب والمسلمين استطاعوا أن يسقطوا كاميلا هاريس مرشح الحزب الحاكم، ولا يعني هذا أن ترامب سيكون أفضل للفلسطينيين، لكن هذه نقطة في – رأيي – مهمة جدًا لا يجب أن نتغافل عنها، وقد تكون لها ما بعدها في حسابات السياسيين في أمريكا خلال المرحلة المقبلة.
نحن أمام اكتساح شبه كامل للحزب الجمهوري لمختلف المناصب سواء كان البيت الابيض أو الكونجرس الأمريكي بغرفتيه (مجلس الشيوخ ومجلس النواب)، وبالتالي نحن إزاء موجة حمراء ستكون معنا خلال الأعوام القادمة، هذا الأمر يعني تحولات مهمه جدًا في السياسة الأمريكية داخليًا وخارجيًا.
“سياسات ترامب الخارجية”
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فحدث ولا حرج، إن مشكلة ترامب أنه متقلب المزاج، ولديه أيضا قدر عالٍ من الجهل فيما يتعلق بالسياسة الدولية والسياسة العالمية.
ففيما يتعلق بالعلاقة مع روسيا وأوكرانيا، نجد ترامب من الرافضين لتمويل الحرب في أوكرانيا كما فعل بایدن على مدار آخر سنتين ونصف أو أكثر من ذلك، لذا أتوقع في ظل سيطرة الجمهوريين على الكونجرس الأمريكي أن يقوم ترامب بإعادة النظر في تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، فموقفه سلبي من حلف الناتو على اعتبار أن الناتو يستغل أمريكا، والدول الأوروبية تحديدًا لا تدفع حصتها فيما يتعلق بتمويل حلف الناتو، لذا فقد نری عودة مرة أخرى للمشاكل السياسية مع الحلفاء الأوروبيين خاصه فرنسا وألمانيا فيما يتعلق بمستقبل حلف الناتو.
أما فيما يتعلق بالعلاقة مع الصين فأتوقع أن نشهد توترًا كبيرًا جدا في هذه المسألة، سواء على البعد الاقتصادي حيث سيقوم ترامب بفرض تعريفات جمركية كبيرة على الصين من أجل تشجيع الصناعة المحلية في أمريكا، ومن أجل تقليل العجز التجاري ما بين البلدين.
فمن المعروف أن أمريكا مدينة للصين بتريليونات الدولارات، وبالتالي قد نشهد حربًا تجارية واقتصادية بين الصين وأمريكا في ظل وجود ترامب كما حدث في فترة حكمه الأولى.
وأما فيما يتعلق بتايوان و التوتر الموجود حاليًا في بحر الصين الجنوبي، قد نشهد توترا عسكريا بين الطرفين، ولا أستبعد حتى قيام حرب ما بين أمريكا والصين فيما يتعلق بتايوان إذا ما قررت تايوان الاستقلال ورفضت الصين ذلك، هذا سيكون بداية حرب عالمية ثالثة- بلا شك – بين أمريكا والصين، وقد تنضم روسيا وكوريا الشمالية إلى الصين، مقابل انضمام الدول الغربية لصالح امريكا.
فيما يتعلق بإيران؛ هناك احتمالان على النقيض من بعضهما، أن ترامب يدعم توجيه ضربات عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية ويقضي على التهديد الإيراني بشكل كامل، أو العكس يقوم بالتطبيع مع إيران كما قال في إحدى المقابلات، لكني أستبعد ذلك لأن اللوبي الإسرائيلي لن يقبل ذلك، سيقبل فقط بالتخلص من الصداع والخطر الإيراني مرة واحدة،
ولا ننسى أن ترامب هو الذي اغتال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في أوائل عام ،2020 وبالتالي أتوقع وجود نوع من التوتر والمواجهة بين أمریکا و إیران خلال الفترة الرئاسية القادمة لترامب.
“ترامب والمنطقة العربية والحرب في غزة”
فيما يتعلق بالمنطقة العربية فالوضع سيكون أسوأ بكثير مما هو عليه الآن، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل، حيث سيستمر الدعم الأمريكي لإسرائيل إلى حد بعيد لكن الأمر يتوقف على مدى علاقه نتنياهو بترامب، وهي علاقه مضطربة، على عكس ما يعتقد البعض، فالبعض يقول أنهما أصدقاء، وهذا غير صحيح، ليسا أصدقاء، بالعكس ترامب لم ينس لنتنياهو قيامه بتهنئة جو بایدن بالانتخابات في 2020، ترامب لا ينسى ثأره لقد عاد لينتقم من الجميع داخليا وخارجيا،
ولذلك لربما نشهد موقفا من ترامب مغايرا لكل توقعاتنا وهذا ما أتمناه أن يفرض على نتنياهو وقفا لهذه الحرب العبثية الهمجية الدموية في قطاع غزه، أو قد يحدث العكس نتيجة لوجود ضغوط عليه من اللوبي الإسرائيلي، فهناك صهاينة مثل ميريام أديلسون ( صهيونية طبيبة ومليارديرة إسرائيلية أمريكية تزوجت من قطب الأعمال الأمريكي شيلدون أديلسون في عام 1991،
ومن أكبر الداعمين لحملة ترامب الانتخابية) لذا قد يتوغل ترامب في إعطاء إسرائيل الكثير من الأمور التي لا تستحقها، يعني مثلا قد يقوم بتوسعه أراضي إسرائيل على حساب الفلسطينيين، وهو ما قاله صراحة، حيث قال إن إسرائيل دولة صغيرة وحجمها صغير وبحاجة لتوسيعها، وهناك وعود أعطاها للصهاينة الأمريكان وخاصه ميريام أديلسون أنه قد يعترف بضم الضفه الغربية لصالح إسرائيل كما فعل من قبل عندما كان في السلطة واعترف بضم الجولان السورية المحتلة (هضبه الجولان) لصالح إسرائيل،
ولا أستبعد ذلك هذه المرة.
أما فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة فأرى أن ترامب سيدعم نتنياهو كي يقضي على المقاومة الفلسطينية إن استطاع، وأرى أنه سيفشل في ذلك.
وفيما يتعلق بالتطبيع فإنه قطعا سیستمر التطبيع ويتزايد للأسف الشديد والدولة التي كانت مترددة في التطبيع سوف تقبل عليه إرضاء لترامب، وبالتالي اتوقع اتساع عدد الدول التي ستقوم بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة.
وفيما يتعلق بأنظمة الاستبداد العربية السلطوية مثل مصر ودول الخليج قطعا هي الآن سعيدة جدا بفوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، باعتبار أنه داعم للأنظمة السلطوية العربية، فترامب لم يبال خلال الفترة الأولى من حكمه لقضايا الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.
فهذه القضايا لم تكن عنصرا أساسيا ولا حتى فرعيا في سياسة واشنطن الخارجية خلال حكم ترامب من 2017 إلى 2021.
واعتقد أن هذا سوف يعود خلال ولايته الثانية، ترامب رجل أعمال يهتم بالبزنس، سيأخذ منهم أموالا مقابل دعمهم ودعم بقائهم في السلطة.
“ترامب والحركات الإسلامية وفى القلب منها حماس”
يتبنى ترامب نظرة سطحية للحركات الإسلامية تضعها جميعا في سلة واحدة دون تفرقة، ومن هنا فإنه ينظر لجماعة مثل الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية الأخرى التي تقبل بالمشاركة السياسية السلمية باعتبارها وجها آخر لتنظيم الدولة الإسلامية، ومن غير الواضح أنه مستعد لتقبل أي نوع من التعاون مع الحركات الإسلامية، باستثناء حزب العدالة والتنمية التركي نظرا لكونه يمثل دولة لا حركة.
ويميل ترامب إلى بناء تحالفات إقليمية قوية تهدف إلى الحد من نفوذ الجماعات الإسلامية، حيث ركز في فترته السابقة على دعم حلفاء من الدول العربية، الذين تجمعهم مصالح مشتركة في مواجهة تلك الجماعات.
وقد برز ذلك في تشكيل “السلام الإبراهيمي” الذي شمل تطبيع العلاقات بين عدة دول عربية وإسرائيل، بما يعزز التعاون الأمني ويعزل القوى السياسية الإسلامية مثل “حماس” في فلسطين، و”الإخوان المسلمين” في دول مختلفة.
وعودة ترامب قد تشهد توطيد هذه التحالفات ودعماً أكبر للدول التي تنظر إلى الإسلام السياسي على أنه تهديدا لأمنها الداخلي، ما يعني تضييقاً محكماً على حركات الإسلام السياسي، وحرمانها من الحاضنة الشعبية أو الحلفاء التقليديين.
أما فيما يتعلق بحركات المقاومة الإسلامية في فلسطين، فإسرائيل تعتبر أن حماس والجهاد الإسلامي في غزة هما التهديد الرئيسي لأمنها، وترى في الدعم الأمريكي القوي أساسًا لضمان سلامة موقفها ضد هذه الحركات، وخلال فترة ترامب السابقة حصلت إسرائيل على دعم غير مسبوق من البيت الأبيض، مما شجعها على اتخاذ إجراءات قاسية ضد الحركات الإسلامية في الأراضي الفلسطينية.
وبعودة ترامب مجددا، قد تجد إسرائيل مساحة أكبر لممارسة ضغوطها ضد حركات المقاومة، مع تعزيز الدعم العسكري الأمريكي والتنسيق الاستخباراتي، وقد يدفع هذا الوضع حماس والجهاد الإسلامي إلى اللجوء إلى حلفاء آخرين.
“مفهوم السلام الترامبي”
فالسلام الذي يتحدث عنه ترامب في الشرق الأوسط يقوم بالأساس على التطبيع السياسي مع الكيان الإسرائيلي مقابل التعاون الاقتصادي، بعيدا عن أي نوع من الإلزام لإقامة دولة فلسطينية، وقد تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بتوسيع- اتفاقيات أبراهام- التي عُقدت عام 2020، وأدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، علما بأنها كانت سببا في تهميش الفلسطينيين، وساهمت في الأزمة الحالية غير المسبوقة.
وبدون شك ترامب واجهة للدولة العميقة، وفوزه ربما يغير المعادلة في الإقليم، لكن لن يغير السياسات، بمعنى تغيير آليات التعاطي مع تفاصيل المشهد داخل الشرق الأوسط.
ولذلك أتوقع أن لن يتغير شيء في سياسات الحرب خاصة الحرب في غزة ولبنان، في ظل هيمنة الدولة العميقة في أمريكا وفي مقدمتها البنتاجون والمخابرات والمجمع الصناعي العسكري…الخ.
وعلى سبيل المثال ما هو الشيء الذي يستطيع ترامب أن يعطيه لإسرائيل حرمها منه بايدن؟! فكل الأسلحة والمستودعات الأمريكية والقنابل الثقيلة تعطيها أمريكا لإسرائيل بسخاء، فالدعم بالسلاح والدعم المالي والسياسي والدبلوماسي والقانوني مفتوح على إسرائيل، فماذا سيزيد ترامب على ذلك؟ إذاً لا شيء سيتغير على المستوى العملي
والسياسي، وليس هناك شيء يعطيه الجمهوريون لإسرائيل أكثر مما أعطاه الديمقراطيون.
وخلاصة القول فإني اتفق مع ما ذكره أخي الباحث د. يحيي سعد على حسابه الشخصي في منصتي فيس بوك و((X حيث يقول: “لا يمثل فوز ترامب شيئاً مؤثراً في نظرتي لمصير المنطقة العربية في الفترة القادمة، أمريكا هي أمريكا، سياساتها تجاه المنطقة ثابتة ومعلومة سلفاً، وترامب تم تجربة أدائه من قبل ورأى العالم سقف حماقاته، ليست المشكلة- إذن- في تغير وجه السلطة في الولايات المتحدة، فالحزبان الديمقراطي والجمهوري يتنافسان لتقديم أفضل الخدمات لمواطنيهم،
والحفاظ على مصالح بلادهم الاستراتيجية خارج حدودها الجغرافية بما في ذلك دعمهم اللامحدود لإسرائيل، المشكلة في عالمنا العربي والإسلامي داخلية أكثر منها خارجية، والحصون تحتاج أن تفتح من داخلها، لكن ذلك يحتاج إلى طليعة سياسية تقود شعوبها إلى التحرر من الاستبداد أولاً، طليعة غير مهترئة ولا مراهقة ولا تافهة. طليعة تؤمن بذاتها الحضارية وتتصالح مع منظومتها القيمية، طليعة تتعلم من أخطائها ولا تبررها لتمارس نفس أدوار المستبدين بشكل مختلف وعبارات منمقة”.
حقا الورقة الأهم على الإطلاق أن يكون لدينا طليعة سياسية حقيقية تمتلك أدوات إعادة التوازن لمعادلة الصراع، من وفرة المعلومات الكافية لاتخاذ القرارات ومن كفاية الكفاءات المؤهلة لإدارة الكوارث والأزمات ومن تمدد العلاقات بالآخر الداعم للحقوق والواجبات، ومن تماسك التحالفات لأن الفكر التقليدي القديم وحده لا يستطيع المواجهة السياسية أو الشعبية، وقد أثبتت التجربة القريبة ذلك بوضوح. ورقة الضغط الأساسية هي قوة شبابية جديدة كإحدى القوى الحية في المجتمع.