حكومة مصر تتجاهل مصير 7 مواطنين محتجزين في قبضة ميليشيات السودان
منذ عام كامل، لا يزال سبعة مواطنين مصريين محتجزين في قبضة قوات الدعم السريع السودانية، في وضع كارثي لا يلوح في الأفق أي أمل لحله.
وفي الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمات الأمنية والسياسية بين الميليشيات المسلحة والحكومة السودانية، تغض الحكومة المصرية الطرف عن مصير هؤلاء المصريين، الذين لا يزال أهاليهم يعيشون في حالة من القلق الشديد، وسط تجاهل رسمي غير مسبوق.
لا يكاد يمر يوم إلا وتزداد معاناة عائلات المحتجزين الذين يجهلون مصير ذويهم. الرسائل الصوتية التي يتم إرسالها بين الحين والآخر، لا تكشف سوى عن المزيد من الغموض، أما الخطابات المكتوبة بخط اليد فهي وحدها ما يعينهم على البقاء في قيد الأمل.
ولكن في الوقت نفسه، لا يصل أي من العائلات رسالة واحدة من أقاربهم منذ مدة طويلة، وهو ما يعكس الفوضى والتهور في تعامل الحكومة المصرية مع قضية إنسانية من الدرجة الأولى.
أزمة متفاقمة في ظل الفشل الحكومي
يقول ذوو المحتجزين إن رجالهم سافروا إلى السودان قبل عشرين عامًا أو أكثر، للعمل في تجارة ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالحرب الدائرة هناك.
هؤلاء الأشخاص كانوا يعيشون حياة هادئة بعيدًا عن النزاع السوداني، والحديث حول انخراطهم في الأحداث السياسية أو العسكرية هو حديث خالي من أي حقيقة.
هؤلاء المصريون لم يكونوا سوى مواطنين يسعون لتحسين حياتهم، لكنهم وقعوا ضحية للاحتجاز في ظل ظروف مريبة وغير قانونية، تحت سلطة ميليشيات مسلحة لا تعترف بالقوانين ولا تراعي حقوق الإنسان.
وعندما بدأت الحرب في السودان، استمر هؤلاء الرجال في إقامة مستقرة لمدة شهرين، حتى بدأوا يعانون من شح الغذاء والموارد. حاولوا التأقلم مع الوضع عن طريق صنع الخبز في المنزل، ولكن قبل يوم واحد من مغادرتهم للبلاد، تم القبض عليهم.
هل يعقل أن تتحول حياتهم من الاستقرار إلى الاحتجاز في لحظة؟ ألم يكن من المفترض أن تسعى الحكومة المصرية إلى ضمان سلامتهم قبل وقوع هذه المأساة؟ للأسف، لم تكن هناك أي تحركات من السلطات المصرية لإنقاذهم أو حتى معرفة مكان احتجازهم.
تجاهل وزارة الخارجية المصرية
طالما أن الحكومة المصرية لم تتحرك، فإن مصير هؤلاء المواطنين المظلومين أصبح على عاتق أهلهم، الذين أصبحوا يناشدون العالم بأسره.
من خلال تواصلهم مع وزارة الخارجية المصرية، صدم الأهالي بالإجابات المراوغة التي لا تفضي إلى أي نتيجة. وكأن الحكومة المصرية غافلة تمامًا عن مئات الآلاف من المواطنين الذين قد يكونون ضحايا لتخاذلها في حماية رعاياها في الخارج.
الأهالي لم يقتصروا على التواصل مع وزارة الخارجية، بل حاولوا أيضًا الاتصال بالصليب الأحمر في السودان، من أجل الحصول على أي معلومات عن ذويهم، لكن بلا جدوى.
في المقابل، كانت الحكومة المصرية تلتزم الصمت، في وقت كان من المفترض أن تكون فيه الإجراءات الرسمية قد بدأت على الفور.
تصاعد المأساة وتأزم العلاقات
العلاقات بين السلطات السودانية وميليشيات الدعم السريع تتأزم بشكل كبير، ومع ذلك، لا يبدو أن الحكومة المصرية قد بذلت أي جهد حقيقي لمواجهة هذه الميليشيات المسلحة أو الضغط عليها للإفراج عن المحتجزين.
ورغم الرسائل المتقطعة من الوسطاء السودانيين الذين يطمئنون العائلات بأن أسماء المحتجزين مدرجة في قائمة الأشخاص الذين من المتوقع الإفراج عنهم قريبًا، إلا أن الأمور ما زالت تراوح مكانها دون أي تقدم يذكر.
الأسر تواصل صرخاتها في ظل تجاهل الحكومة المصرية، التي يبدو أنها غير قادرة على الوفاء بمسؤولياتها تجاه رعاياها في الخارج. في وقت تتصارع فيه مصالح السلطة في مصر مع الأزمات الإقليمية، يبدو أن هناك إهمالًا متعمدًا لما يحدث لأبناء الشعب المصري الذين لا حول لهم ولا قوة.
الفساد الحكومي وحسابات المصالح
وإذا نظرنا إلى الحالة العامة للمجتمع المصري في الفترة الأخيرة، نجد أن الفساد يتغلغل في أعماق كل جوانب الحياة السياسية والإدارية.
منذ اندلاع الأزمة في السودان، كان من الممكن أن تتحرك الحكومة المصرية لحل هذه الأزمة بأسرع وقت، ولكن يبدو أن هناك حسابات أخرى تتعلق بالمصالح الضيقة والتقاعس المتعمد من قِبل المسؤولين. فهل يمكن أن يكون هذا الصمت الحكومي مرتبطًا بفساد بعض الأوساط الرسمية التي تتعامل مع مثل هذه القضايا بشكل غير جاد؟
إن معاناة أهالي المحتجزين في السودان هي صورة حية للتهور والإهمال الذي يمارسه المسؤولون في الحكومة المصرية، الذين يتعاملون مع قضايا شعبهم كما لو أنها أمور جانبية لا تستحق التدخل السريع. ماذا ينتظر هؤلاء المسؤولون ليتحركوا؟ هل يتعين أن تتحول هذه القضية إلى فضيحة عالمية حتى يهتموا بها؟
إنه من غير المقبول أن يستمر هذا الوضع الذي يعاني فيه المصريون الأبرياء بسبب تقاعس حكومتهم، ولعل هذه القضية ستكون من ضمن القضايا التي ستظل تطارد النظام المصري طويلاً، إن لم تُحل في أقرب وقت.
إن المواطنين المصريين في السودان ليسوا مجرد أرقام في سجلات الحكومة، بل هم أشخاص حقيقيون لهم حقوق مشروعة في الحماية، والكرامة، والعدالة.
نهاية مأساوية أو بداية تحرك حقيقي؟
في النهاية، يبقى مصير هؤلاء المصريين في السودان معلَّقًا بين قيد الاحتجاز وسكون الحكومة المصرية. فهل ستتدخل السلطات المصرية لحل هذه المأساة وتحرير هؤلاء الأبرياء من قبضة الميليشيات؟ أم أن هذا الملف سيظل مغلقًا إلى حين انفجار أزمة أخرى تفرض نفسها على سطح الأحداث؟
الإجابة على هذا السؤال قد تحدد ما إذا كانت الحكومة المصرية ستبقى مجرد شاهد على مآسي شعبها أم أنها ستتخذ خطوة جادة للضغط على المسؤولين السودانيين من أجل الإفراج عنهم.
إن هذه القضية لا تتعلق فقط بمصير سبعة أفراد، بل تمثل نموذجًا للعديد من القضايا التي تؤكد فشل الحكومة المصرية في الدفاع عن حقوق مواطنيها في الخارج.