كارثة الإيجار القديم: الحكومة المصرية عاجزة عن إنصاف الملاك وتهدر حقوق الملكية
في حكم تاريخي يسلط الضوء على خلل عميق في النظام القانوني والإداري في مصر، قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية تثبيت الأجرة في نظام الإيجار القديم، معتبرة أن هذا التثبيت لا يعد فقط انتهاكًا لمبادئ العدالة، بل يعد أيضًا إهدارًا صارخًا لحق الملكية الخاص.
الحكم الذي طال انتظاره جاء ليعبر عن صرخة الملاك الذين عانوا لعقود طويلة من ظلم قانون الإيجار القديم، الذي يجبرهم على تأجير ممتلكاتهم بأسعار زهيدة، لم تعد تتناسب مع التضخم الاقتصادي المستمر وارتفاع تكاليف المعيشة.
في هذا السياق، أكد الحكم الصادر أن تثبيت الأجرة يمثل اعتداءً على العدل ويفتقر إلى أي مبرر قانوني أو أخلاقي. فالملكية الخاصة حق مصون بموجب الدستور، ولا يجوز للدولة أن تنتهك هذا الحق تحت أي ظرف من الظروف.
ومع ذلك، فقد ظلت الحكومات المصرية المتعاقبة عاجزة عن تعديل هذا القانون المجحف، رغم الدعوات المتكررة من الملاك والمستثمرين الذين يرون في استمرار العمل بهذا النظام تدميرًا لاستثماراتهم وإهدارًا لفرص تنموية كان من الممكن أن تسهم في تحسين أوضاع السوق العقارية في البلاد.
أزمة قديمة تتفاقم بسبب الفساد الحكومي
الفساد الحكومي والتقصير في التعامل مع أزمة الإيجار القديم أصبحا اليوم أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. لعقود طويلة، تجاهلت الحكومة المصرية مطالب الملاك، متذرعة بحجج واهية عن حماية حقوق المستأجرين، في حين أن الواقع يكشف أن نظام الإيجار القديم بات وسيلة لاستغلال الملاك، والاعتداء على حقوقهم.
وبحسب إحصاءات رسمية، فإن آلاف الملاك يعانون من خسائر فادحة بسبب هذا النظام، حيث تصل الأجرة في بعض العقارات القديمة إلى مبالغ رمزية لا تغطي حتى تكلفة صيانة العقار، مما يؤدي إلى تدهور هذه العقارات وتحولها إلى مبانٍ آيلة للسقوط تهدد حياة السكان.
ليس هذا فحسب، بل إن الحكومة، ومن خلال تجاهلها للمطالب المتكررة بتعديل قانون الإيجار القديم، تساهم بشكل غير مباشر في تفاقم أزمة الإسكان في مصر.
فالملاك الذين يعجزون عن استثمار ممتلكاتهم بشكل عادل، إما يتوقفون عن تأجيرها أو يتركونها مهجورة، ما يقلل من حجم المعروض في السوق العقارية ويزيد من أزمة الطلب على السكن.
غياب التشريعات وفساد البرلمان المصري
ورغم أن المحكمة الدستورية العليا قد دعت البرلمان المصري إلى وضع قانون جديد ينظم العلاقات الإيجارية بشكل يحقق التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين، فإن المؤشرات تدل على أن البرلمان، تحت ضغوط المصالح الخاصة والفساد المستشري، سيستمر في تأجيل هذه القضية الحساسة.
فمنذ سنوات، والبرلمان يعد بإصلاح قانون الإيجار القديم، إلا أن كل هذه الوعود تبخرت أمام ضغوط المستأجرين المدعومين من قبل جهات متنفذة في الدولة.
وفي حين تدعو المحكمة البرلمان إلى ضرورة التحرك العاجل لمنع الفوضى في العلاقات الإيجارية، يظل السؤال المحوري هل سيكون للبرلمان الجرأة الكافية لمواجهة اللوبيات القوية التي تعارض أي تعديل لقانون الإيجار القديم؟ أم سيستمر في تجاهل الحكم الدستوري، مما يعني استمرار الأزمة وتفاقمها؟
الحكومة في موقف المتفرج والمستثمرون يهربون
وفي ظل هذا التعنت الحكومي والتقاعس التشريعي، بات المستثمرون العقاريون يفضلون الابتعاد عن السوق المصرية. فالنظام الحالي لا يشجع على الاستثمار في القطاع العقاري، بل يدفع المستثمرين إلى البحث عن أسواق أكثر استقرارًا وعدالة.
ووفقًا لتقارير اقتصادية، فإن السوق العقارية المصرية قد خسرت جزءًا كبيرًا من الاستثمارات بسبب هذا القانون الذي يمنع الملاك من استغلال ممتلكاتهم بحرية، ويعيق تطوير المناطق القديمة التي يمكن أن تتحول إلى أحياء سكنية حديثة.
ورغم أن الحكومة المصرية تدعي أن هدفها من تثبيت الأجرة في نظام الإيجار القديم هو حماية المستأجرين من الاستغلال، إلا أن الواقع يكشف أن المستأجرين هم في الحقيقة جزء من منظومة فساد أوسع.
فالكثير منهم يعيشون في شقق فاخرة بمبالغ زهيدة، بينما يعاني الملاك من تكاليف صيانة عالية وضرائب متزايدة دون أي دعم من الدولة. وفي ظل هذا التناقض، يظهر الفساد في أوضح صوره: الحكومة تفضل حماية قلة من المستأجرين المحظوظين على حساب آلاف الملاك الذين يرزحون تحت وطأة هذا القانون غير العادل.
المحكمة الدستورية: الكرة في ملعب البرلمان
الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا وضع الحكومة والبرلمان في موقف حرج للغاية. فالمحكمة أكدت أن استمرار العمل بنظام الإيجار القديم يمثل انتهاكًا صارخًا للدستور وحقوق الملكية، ودعت البرلمان إلى التدخل العاجل لوضع قانون جديد يحقق التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيتحرك البرلمان بسرعة لتنفيذ هذا الحكم؟ أم أن الفساد والتأثيرات السياسية ستؤدي إلى تأجيل الإصلاح مرة أخرى؟
البرلمان المصري الذي كان دائمًا جزءًا من المشكلة وليس الحل، مطالب اليوم بمواجهة الحقيقة: أن استمرار هذا القانون يعني استمرار الظلم والفساد.
ومن دون تدخل سريع وحاسم، فإن الأزمة ستستمر في التفاقم، مع ما يعنيه ذلك من تهديد مباشر لاستقرار السوق العقارية، وربما للاقتصاد المصري بأكمله.
إلى أين تتجه مصر في ظل هذا الفساد الحكومي؟
لا شك أن الحكم التاريخي للمحكمة الدستورية العليا يعد خطوة مهمة نحو إصلاح النظام الإيجاري في مصر، ولكنه يظل خطوة أولى فقط. التحدي الأكبر يكمن في قدرة الحكومة والبرلمان على التحرك بجدية لإنقاذ الملاك وإنصافهم بعد سنوات من الظلم.
وفي ظل الفساد المستشري والتأثيرات السياسية التي تعرقل أي محاولة إصلاح حقيقية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سنشهد تغييرًا حقيقيًا؟ أم أن الأزمة ستظل تتفاقم على حساب حقوق الملكية الخاصة والاستقرار الاقتصادي؟
إن مصر اليوم على مفترق طرق، إما أن تواجه هذه الأزمة بجرأة وتصلح القوانين المجحفة، أو تستمر في تجاهل حقوق مواطنيها، مما قد يؤدي إلى عواقب كارثية على الجميع.