اليوم الـ403 من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي بات يشكل صورة كارثية بكل المقاييس للواقع الذي يعيش فيه الفلسطينيون حيث تتوالى الغارات الجوية القاتلة على مختلف مناطق القطاع محولة الحياة إلى جحيم يومي لا يعرف الرحمة ففي هذا اليوم استشهد 16 فلسطينيا
بينما أصيب آخرون في سلسلة غارات استهدفت منازل ومراكز إيواء للنازحين لتزداد معاناة أهل غزة الذين أصبحوا يواجهون الموت في كل زاوية وحين مع كل قصف.
تلك الهجمات لم تقتصر على تدمير المباني بل امتدت لتشمل حياة الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون في الأرض التي يطمع الاحتلال في السيطرة عليها ليل نهار.
الغارات الجوية الإسرائيلية تزداد ضراوة كلما مر يوم وكلما شهدت الساحة الدولية محاولات للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها الذي لا يرحم فكل يوم يمر يُسجل مزيداً من الضحايا الذين أصبحوا مجرد أرقام في تقرير صحفي أو إحصائية في نشرة أخبار دولية لكنهم في واقع الأمر قصص إنسانية مؤلمة في كل زاوية من غزة المدمرة. القصف استهدف في اليوم الـ403 من العدوان منازل غير محصنة تأوي النازحين الذين تركوا خلفهم كل شيء هربًا من وحشية الاحتلال وبحثًا عن مكان أكثر أمانًا لكن لم يجدوا سوى مزيد من الموت والدمار في كل زاوية.
الجيش الإسرائيلي أعلن عن مقتل 4 من جنوده في معارك شرسة في شمال قطاع غزة مع المقاومة الفلسطينية ولكن المفاجأة أن الصحافة الإسرائيلية كشفت عن تفاصيل كارثية حيث قُتل الجنود في داخل مبنى تم استهدافه بصاروخ مضاد للدروع في منطقة بيت لاهيا وكأن هذا الخبر يحمل في طياته رسالة مختلفة عن العادة فإن الصحف الإسرائيلية تتحدث عن الخسائر البشرية في صفوف جيش الاحتلال بنبرة أقل حدة من الحديث عن الفلسطينيين الذين يسقطون يوميا بالآلاف.
الواقع الذي يعيشه سكان غزة يختلف كلياً عما يراه العالم من خلال تقارير وسائل الإعلام العاجلة أو البيانات الرسمية فالقتل والموت لا يتوقفان ليل نهار في هذا القطاع المحاصر منذ سنوات والذي يعاني من نقص حاد في كل شيء من الطعام إلى الأدوية وحتى الرعاية الصحية التي أصبحت شبحًا بعيد المنال فالقطاع الصحي في غزة شبه منهار بسبب قصف المنشآت الطبية والمستشفيات التي كانت في وقت ما تشكل بارقة أمل لمن يعيشون في هذا المكان المأساوي.
على صعيد آخر وبعيدًا عن المعركة الدموية التي تشهدها غزة، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بوقوع حادث دهس قرب مدينة بيت لحم حيث اخترقت سيارة حاجزا عسكريًا إسرائيليًا ما أدى إلى إصابة شخصين بجروح طفيفة نتيجة الحادث ورغم أن الحادث بدا عاديًا إلا أنه في حقيقة الأمر لم يكن سوى جزء من سلسلة الأعمال المقلقة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ بداية العدوان فهذه الحوادث والتفاصيل الصغيرة هي جزء من التوترات اليومية التي يعاني منها الفلسطينيون في الضفة الغربية أيضًا حيث يعانون من التهديدات والممارسات القمعية التي لا تتوقف.
وبحسب الصحافة الإسرائيلية نفسها فقد تم تعزيز القوات العسكرية الإسرائيلية في محيط بلدة الخضر قرب مدينة بيت لحم بعد هذا الحادث وهو ما يعكس الاستراتيجية العسكرية المتواصلة التي تتبعها قوات الاحتلال في مواجهة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء فلا تتوقف هذه العمليات القمعية ولا تعترف بالحدود الجغرافية أو بالأماكن الآمنة وإن كانت جدران الفولاذ والحواجز الأمنية قد تعزل الفلسطينيين عن العالم وتفصل بينهم وبين حقوقهم الإنسانية فإنهم لا زالوا يواصلون مقاومتهم على الرغم من كل التضحيات.
لقد أصبح الفلسطينيون يعيشون في دوامة لا تنتهي من العنف والحرب التي تقتحم كل لحظة من حياتهم وتتحول إلى واقع يومي لا يجدون فيه طعماً للسلام ولا أفقاً لإنهاء معاناتهم المستمرة منذ عقود. إن العدوان الإسرائيلي على غزة ليس مجرد حرب بل هو فعل من أفعال التدمير الشامل للبشر والحجر على حد سواء في مشهد يجسد مأساة شعب بأسره يعيش في سجن مفتوح تحت الحصار والدمار والتجويع.
بينما يظل العالم يشاهد هذا النزاع بعين واحدة متجاهلاً حقيقة ما يحدث على الأرض فإن الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية لا يزالون يتعرضون لأسوأ أنواع القمع والقتل والتشريد في وقت يدعي فيه الاحتلال أنه يسعى لتحقيق الأمن لهؤلاء الجنود الذين قتلوا في المعركة وفي وقت يسعى فيه إلى توجيه ضربة قاصمة للمقاومة الفلسطينية داخل القطاع الذي يعتقد الاحتلال أنه سيخضع يوما ما لمشيئته.
لكن الحقيقة أن غزة لن تكون إلا مقبرة للمحتلين ومسرحاً للمقاومة التي لا تتوقف فكلما اشتدت الهجمات زاد تماسك أهل غزة وصمودهم فالحرب على غزة ليست حربا عسكرية فحسب بل هي حرب على الإنسانية نفسها حرب في مواجهة عدو لا يرحم لا يقيم اعتبارًا لأي قيمة إنسانية في هذا العالم.