سجون مصر: إضرابات جماعية وفساد حكومي يدمر حياة المعتقلين
من جديد، تندلع موجة من الإضرابات عن الطعام في سجن بدر 3، التي يشهدها السجناء بشكل دوري نتيجة للمعاملة القاسية التي يتعرضون لها والإجراءات التعسفية من إدارة السجن التي تتجاهل كل الحقوق الإنسانية للمساجين وأسرهم.
هذا الإضراب ليس إلا جزءاً من سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تكررت لسنوات، في ظل غياب أي محاسبة حقيقية من السلطات المصرية.
تجسد الحالة البائسة لنزلاء سجن بدر 3 فشلًا ذريعًا في إدارة هذه المنشآت العقابية، حيث تضيق الأوضاع المعيشية بشكل مستمر، ما يجعل حياة السجناء أشبه بالجحيم. بحسب المفوضية المصرية للحقوق والحريات، فإن الوضع في السجن يتدهور بشكل متسارع مع قيام إدارة السجن بتقييد مدة الزيارات إلى 10 دقائق فقط، مما يحرم المعتقلين من التواصل الطبيعي مع ذويهم.
كما ترفض إدارة السجن إدخال الأدوية الخاصة بالسجناء المصابين بأمراض مزمنة، مما يعرض حياتهم للخطر بشكل متعمد.
تاريخ طويل من المعاناة
إضراب السجناء في بدر 3 ليس حادثًا عارضًا، بل هو نتيجة لتراكمات من المعاملة السيئة والظروف المعيشية المتردية. في فبراير من العام الماضي، تكررت محاولات السجناء في هذا السجن للقيام بإضرابات احتجاجًا على ما يعانونه من قمع وظروف قاسية. حيث شهد السجن حادثة “الانتحار الجماعي” التي قام بها السجناء، وهو ما يفضح حجم المعاناة والضغط النفسي الذي يتعرض له المعتقلون داخل هذه السجون.
وعقب هذه الحادثة، قامت إدارة السجن بنقل العشرات من السجناء إلى زنازين التأديب في سجن بدر 1، بل قاموا بـ “ترحيل وتغريب” العشرات منهم إلى سجون مختلفة مثل وادي النطرون وبرج العرب والمنيا وجمصة، وهي سجون شديدة الحراسة.
وفي شهر أكتوبر من عام 2022، أضرب نزلاء سجن بدر 3 عن الطعام مجددًا، اعتراضًا على أوضاعهم المعيشية المتردية، حيث ورد في رسالة مسربة من السجناء أن الوضع في سجن بدر 3 أسوأ من سجن العقرب، الذي يعتبر من أسوأ السجون في مصر من حيث المعاملة.
تشير الرسالة إلى أن السجناء لا يُسمح لهم بالتريض، إضافة إلى أن الطعام المتاح لهم في الكانتين لا يكفي لسد احتياجاتهم الأساسية. وفي أعقاب هذا الإضراب، توفي السجين علاء محمد السلمي بعد أن رفضت إدارة السجن تقديم الرعاية الطبية له رغم إضرابه عن الطعام.
تعذيب مستمر في سجن بدر 1
في يونيو الماضي، جدد السجناء في سجن بدر 1 إضرابهم عن الطعام، في ظل الظروف القاسية التي يعانون منها. المفوضية المصرية للحقوق والحريات أكدت أن السجناء في بدر 1 تعرضوا لحملات تفتيش ذاتي مهينة بشكل متكرر، إضافة إلى تقليص مدة التريض بشكل مخالف للقوانين. كما أكدت المفوضية على استمرار قلة الطعام المقدم لهم.
ومع تزايد حدة الاحتجاجات، قررت إدارة السجن تعذيب السجناء المضربين، حيث تم قطع الكهرباء والمياه عنهم لأيام طويلة، مع تعنت شديد في السماح لذويهم بزيارتهم.
هذا بالإضافة إلى أن أجهزة تسجيل تم تركيبها على طاولات الزيارات العائلية، مما يضمن أن تكون جميع المحادثات مسجلة بشكل يمكن من خلالها تحديد هوية السجين الذي يجرى الحديث عنه، وهو ما ينتهك حق السجناء في التحدث بخصوصية.
وفي نفس الوقت، قامت إدارة السجن بتغريب حوالي 50 سجينًا إلى سجني المنيا والوادي الجديد، كما تم فرض ظروف قاسية على البقية الذين ظلوا في سجن بدر 1، مثل قطع الكهرباء والمياه عن زنازينهم، ما يزيد من أعباء الحياة داخل هذا السجن.
محاولات يائسة للمحاسبة
تؤكد المفوضية المصرية للحقوق والحريات أن هذه الانتهاكات التي تحدث في سجن بدر 3 و1 ليست حالات فردية، بل هي جزء من سياسة ممنهجة تقوم بها الحكومة المصرية لإهانة السجناء، وانتهاك حقوقهم بشكل ممنهج. وفي مارس 2023، طالبت 38 منظمة حقوقية محلية ودولية بفتح سجن بدر أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الحقوقية المستقلة للتحقق من الأنباء التي تُشير إلى التنكيل المستمر بالسجناء ومحاولات الانتحار المتكررة، بالإضافة إلى الإضرابات عن الطعام.
لكن وكما هو المعتاد، لا نجد أي تحرك حقيقي من الحكومة المصرية لمعالجة هذه الأوضاع الكارثية. بل على العكس، تواصل الحكومة تجاهل هذه النداءات، وتسمح للانتهاكات بأن تتفاقم، بل ربما تدعمها، في حين تستمر في التعتيم على ما يحدث داخل السجون المصرية.
الفساد المستشري
من الواضح أن الوضع داخل السجون المصرية ليس مجرد نتيجة لإدارة سيئة، بل هو تعبير عن فساد مستشري داخل النظام الأمني والحكومي. فبدلاً من التعامل مع السجون كأماكن لتأهيل السجناء وإعطائهم حقوقهم الأساسية، تحولت إلى أماكن لتدمير حياة هؤلاء الأشخاص والتنكيل بهم. فهل يعقل أن تبقى الحكومة المصرية غافلة عن هذا الواقع؟ وهل ستظل تنكر هذه الانتهاكات حتى نصل إلى المزيد من الحوادث الكارثية؟
المؤسف أن السلطات المصرية لم تكترث لهذه النداءات ولا ترى في حقوق الإنسان في سجونها سوى ترف لا لزوم له. في الوقت الذي تستمر فيه عمليات قمع المعارضة وتفشي الفساد في جميع مؤسسات الدولة، تظل معاناة السجناء في سجون بدر 3 وبقية السجون بلا نهاية.