للشهر الثالث على التوالي، يستمر التضخم في مصر في الصعود بشكل مرعب، حيث سجل مؤشر التضخم السنوي في أكتوبر الماضي 26.5%، مقارنة بـ 26.4% في سبتمبر، وهو ما يشير إلى كارثة اقتصادية تتفاقم بمرور الوقت، بينما يتزايد العبء على المواطن المصري بسبب غلاء الأسعار المتصاعد.
هذه الزيادة في التضخم جاءت نتيجة مباشرة لارتفاع أسعار الوقود في البلاد بعد أن رفعت الحكومة المصرية أسعار الوقود بنسبة 9.2% في أكتوبر، وهي الزيادة الثالثة في هذا العام، في خطوة تضاف إلى سلسلة من القرارات الكارثية التي تم اتخاذها في سياق سياسة رفع الدعم كليا عن الوقود، وذلك من أجل الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
لقد باتت الحكومة المصرية أمام اختبار حقيقي لمدى قدرتها على معالجة الوضع الاقتصادي المتدهور، لكن بدلاً من أن تقدم حلولاً عملية ومباشرة، استمرت في فرض الأعباء المالية على المواطن الفقير، حيث أن المواطن المصري يجد نفسه أمام معادلة صعبة تزداد تعقيدًا، في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل غير مسبوق.
تحت شعار “الإصلاح الاقتصادي”، واصل البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة لتصل إلى 27.25% في خطوة هي الخامسة على التوالي، والتي تهدف إلى محاولة كبح جماح التضخم المتسارع، ولكن هذه الزيادة في أسعار الفائدة لم تؤتِ ثمارها، بل زادت من تكاليف القروض على الأفراد والشركات، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الجميع دون استثناء.
وفي الوقت الذي يتعين فيه على الحكومة اتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة هذا الوضع، يبدو أن سياسات البنك المركزي قد أدت إلى تفاقم المأساة بدلاً من تقليصها.
تاريخيًا، ومنذ بداية عام 2024، تفاقمت أزمة الأسعار بشكل مروع، حيث شهدت كافة المجموعات الغذائية الأساسية زيادات ضخمة.
ففي أكتوبر الماضي، سجل قسم الطعام والمشروبات في مصر ارتفاعًا مذهلاً بلغ 26.9% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وهو ما يوضح حجم الأزمة الحقيقية التي يعيشها الشعب.
أما مجموعة الحبوب والخبز فقد شهدت زيادة بنسبة 36.7%، بينما ارتفعت أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 19.7%، في حين سجلت أسعار الأسماك والمأكولات البحرية زيادة بنسبة 21.9%. وهذا يدل على أن الحكومة فشلت تمامًا في توفير البدائل أو الحلول التي كان من الممكن أن تخفف من حدة الأزمة الغذائية.
لكن الأرقام لا تتوقف عند هذا الحد، فأسعار الألبان والجبن والبيض ارتفعت بنسبة 29.9%، كما ارتفعت أسعار الزيوت والدهون بنسبة 14.9%، فيما شهدت أسعار الفاكهة زيادة بنسبة 28.5%، أما أسعار الخضروات فكانت الزيادة الأشد،
حيث سجلت ارتفاعًا كبيرًا بنسبة 39.1%. هذه الأرقام تعد مؤشراً صارخاً على التقاعس الحكومي المستمر، حيث إن الحكومة بدلاً من أن تضع خطة فورية لاحتواء هذه الزيادات الجنونية، تجد نفسها متفرجة على معاناة الشعب المصري.
إن استمرار هذه السياسات اللامبالية من قبل الحكومة، وتحميل المواطن المزيد من الأعباء المالية دون تقديم أي حلول جذرية، هو أمر يدعو للقلق. الحكومة المصرية بدلاً من أن تكون في صف الشعب، نجدها تسعى لتطبيق خطط صندوق النقد الدولي التي لا تؤدي سوى إلى زيادة المعاناة.
كل هذه الزيادات في الأسعار كانت نتيجة مباشرة لرفع أسعار الوقود، وهو ما لا يعتبر إلا تكتيكًا مستمرًا في سلسلة من القرارات التي تضر بالشعب المصري بشكل مباشر.
وفي حين أن التضخم المستمر يعكس تفشي الأزمة الاقتصادية بشكل أوسع، فإن استمرار الحكومة في تطبيق هذه السياسات الخطيرة يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل مصر في ظل الإدارة الحالية.
الحكومة يبدو أنها تفتقر إلى استراتيجية حقيقية لوقف هذا النزيف الاقتصادي المستمر، بل وتواصل الاعتماد على الحلول السطحية التي لا تعكس واقع المعاناة الذي يعيشه المواطن البسيط في الشوارع والأحياء الشعبية.
وفي هذا السياق، وفي ظل الأزمة الحادة التي يشهدها الاقتصاد المصري، يجب أن نطرح سؤالًا جوهريًا: إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ هل سيظل المواطن المصري يدفع الثمن باهظًا لهذه السياسات المدمرة؟ وهل هناك أمل في تغيير حقيقي أم أن الوضع سيستمر في التدهور نحو الأسوأ؟
إننا نواجه أزمة كارثية تتطلب تحركًا عاجلاً من المسؤولين، ولكن يبدو أن الحكومة المصرية لا تزال ماضية في نهجها الخاطئ، دون أن تدرك حقيقة الأوضاع المأساوية التي يعاني منها الشعب.