في عام 2021، وصل عدد الأطفال غير الحاصلين على أي جرعة لقاح إلى 18.2 مليون طفل على مستوى العالم، وهو رقم صادم يكشف عن فجوة متزايدة في النظام الصحي العالمي.
مقارنةً بعام 2010 حيث كان العدد 15.4 مليون طفل، فإن هذا الارتفاع بنسبة 18% خلال عقد من الزمن يُنذر بعواقب صحية كارثية قد تترتب على تفشي الأمراض المعدية التي كان من الممكن السيطرة عليها أو حتى القضاء عليها بالكامل.
هذه الأرقام الصادمة تثير تساؤلات خطيرة حول مدى جدية الحكومات والأنظمة الصحية في التصدي لهذا التحدي المتصاعد، خاصةً في ظل توفر اللقاحات، التي تعد واحدة من أكثر الأدوات فعالية في مكافحة الأمراض.
هذا التزايد المستمر في عدد الأطفال غير المطعمين يعكس خللاً كبيرًا في توزيع اللقاحات ووصولها إلى الفئات الأكثر حاجة، وخاصةً في الدول النامية والفقيرة. ففي ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والصحية التي تعصف بالعديد من البلدان، يتضح أن هناك فئات واسعة لا تزال غير قادرة على الوصول إلى أبسط حقوق الرعاية الصحية. يظل السؤال المحوري هنا: لماذا لا تزال هذه الفجوة تتسع بالرغم من الجهود المبذولة دوليًا؟ وهل العائق هو قلة الموارد، أم سوء توزيعها، أم أن هناك عوامل أخرى تعيق وصول هذه اللقاحات إلى الأطفال الذين هم في أمس الحاجة إليها؟
أحد الأسباب الرئيسية التي تقف خلف هذا التزايد هو تراجع الثقة في اللقاحات بفعل حملات التضليل الإعلامي والمعلومات الخاطئة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. في عصر السرعة الرقمية، أصبحت المعلومات المغلوطة تنتشر بسرعة فائقة، مما يسبب حالة من الذعر وعدم اليقين لدى بعض الآباء الذين يتأثرون بسهولة بهذه المعلومات. هذه الحملات المضللة، التي غالبًا ما تستند إلى نظريات مؤامرة غير مستندة إلى أي أدلة علمية، أدت إلى تزايد معدلات رفض التطعيم في العديد من الدول، سواء كانت متقدمة أو نامية، مما يعرض صحة ملايين الأطفال للخطر.
العامل الآخر الذي يسهم في زيادة عدد الأطفال غير المطعمين هو الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في بعض الدول. في العديد من المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة أو انهيارًا اقتصاديًا، تصبح القدرة على تقديم الخدمات الصحية الأساسية مثل التطعيمات شبه معدومة. يتم تدمير البنية التحتية الصحية، أو تصبح غير قادرة على تلبية احتياجات السكان بسبب نقص الموارد، مما يؤدي إلى حرمان أعداد كبيرة من الأطفال من الحصول على اللقاحات الضرورية. لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه الأزمات الإنسانية في تفاقم هذه المشكلة، فالأطفال في مخيمات اللاجئين أو المناطق المحاصرة غالبًا ما يكونون الأكثر تضررًا.
كذلك، لا يمكن إغفال دور الجائحة العالمية في زيادة هذه الأرقام. مع تفشي فيروس كورونا، تعرضت الأنظمة الصحية لضغوط هائلة، ما أدى إلى تأجيل أو تعطيل برامج التطعيم الروتينية في العديد من البلدان. في ظل التحديات غير المسبوقة التي فرضتها الجائحة، تراجع الاهتمام بالعديد من الأمراض الأخرى التي كان يمكن الوقاية منها باللقاحات، ما أسهم في زيادة أعداد الأطفال غير المطعمين بشكل كبير.
كما أن هناك عوامل اجتماعية وثقافية تزيد من تعقيد هذه الأزمة. في بعض المناطق الريفية أو النائية، توجد معتقدات تقليدية تمنع العائلات من تطعيم أطفالها. بعض المجتمعات المحلية ما زالت تنظر إلى اللقاحات بشكوك كبيرة أو تربطها بممارسات استعمارية قديمة، ما يجعل هذه المجتمعات أكثر عزوفًا عن قبول التطعيمات الحديثة. هذه الحواجز الثقافية، إلى جانب غياب التوعية الكافية، تعزز من انتشار الأمراض التي يمكن الوقاية منها بسهولة.
العواقب المحتملة لهذه الأزمة الصحية لا تقتصر فقط على هؤلاء الأطفال غير المطعمين، بل تمتد لتشمل المجتمع العالمي بأسره. فالطفل الذي لم يحصل على اللقاح ليس معرضًا فقط للإصابة بالمرض، بل يمكن أن يصبح مصدرًا لانتشاره في المجتمعات الأوسع. مع تفشي الأمراض المعدية مثل الحصبة وشلل الأطفال وغيرها من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، تزداد احتمالية ظهور أوبئة جديدة قد يصعب السيطرة عليها. هذه الأمراض لا تعرف الحدود، ويمكن أن تنتقل بسرعة بين الدول إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من هذه الفجوة المتزايدة في التطعيمات.
من الواضح أن الحل لهذه الأزمة يتطلب تعاونًا عالميًا شاملًا. يجب على الحكومات والمؤسسات الصحية الدولية تعزيز الجهود لضمان وصول اللقاحات إلى كل طفل بغض النظر عن موقعه الجغرافي أو حالته الاقتصادية. هناك حاجة ماسة إلى تعزيز حملات التوعية التي تستند إلى الأدلة العلمية لمكافحة المعلومات الخاطئة عن اللقاحات. بالإضافة إلى ذلك، يجب تقديم الدعم المالي والفني للدول التي تعاني من أزمات اقتصادية أو نزاعات مسلحة لضمان استمرار برامج التطعيم.
كما يجب أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية للتعامل مع هذه الأزمة. لا يكفي الحديث عن أهمية التطعيمات في المؤتمرات الدولية، بل يجب تنفيذ سياسات فعلية تضمن تحقيق تقدم ملموس في هذا المجال. تحقيق العدالة الصحية يبدأ بتوفير اللقاحات لكل طفل في كل مكان، وهي خطوة أساسية نحو بناء عالم أكثر أمانًا وصحة.
ولا يمكن تجاهل خطورة هذه الأرقام التي تشير إلى أن 18.2 مليون طفل في عام 2021 لم يحصلوا على أي جرعة لقاح. هذه الفجوة المتزايدة تمثل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل الصحة العالمية، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية وجذرية، فقد نجد أنفسنا أمام كارثة صحية لا يمكن احتواؤها.