تقاريرحقوق وحريات

فضيحة “كيما” بأسوان: فساد حكومي وحقوق عمال تُسرق بلا رحمة

احتشد آلاف العمال أمام مقر شركة الصناعات الكيماوية “كيما” بمحافظة أسوان، في مشهد يعكس حجم الاستياء والغضب الذي يعم الشركة بعد أن تقاعست الإدارة عن الوفاء بحقوقهم،

حيث طالبت شريحة واسعة من العمال بصرف الأرباح السنوية كاملة كما هو متفق عليه، بدلاً من تقليص نسبة الأرباح التي تم تحديدها بنسبة 60% فقط، مما تسبب في أزمة كبيرة في صفوف العاملين الذين يشعرون أنهم ضُلموا بشكل صارخ.

ما حدث في شركة “كيما” ليس مجرد خلافات عمالية تقليدية، بل هو حلقة جديدة في سلسلة من الأزمات المتواصلة التي تكشف عن فساد إدارة الشركة وتقصير الحكومة في التعامل مع قضايا حقوق العمال.

مطالب العمال لم تكن مجرد اعتراض على أرباح العام المالي الماضي، بل على تكرار المماطلة والتلاعب بالحقوق من قبل الإدارة في السنوات الماضية.

فالعاملون يواجهون مشكلة سنوية مستمرة تتعلق بعدم استلامهم لأرباحهم كاملة، الأمر الذي دفعهم هذه المرة للاحتشاد اعتراضًا على ما اعتبروه قرارًا جائرًا.

وتعود الأزمة إلى قرارات الجمعية العمومية التي تم اتخاذها في اليوم السابق، والتي قررت تقليص نسبة الأرباح إلى 60% فقط، مما أدى إلى حالة من الغضب العارم وسط العاملين.

مدير إدارة التفتيش الهندسي في الشركة، أحمد عبد المالك، تحدث بمرارة عن هذه القضية، حيث أكد أن هذه ليست المرة الأولى التي تُسرق فيها حقوق العمال وأن الشركة، التي حققت أرباحًا ضخمة في العام الماضي بلغت 1.115 مليار جنيه، قد أخلت بالوعود السابقة.

وقال عبد المالك: “كل سنة نفس الوعود… دائماً يقولون لنا السنة القادمة ستكون أفضل، لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا”.

وكان قرار الجمعية العمومية الذي تم اتخاذه مؤخرًا قد أشعل فتيل الأزمة بعد أن تَجاهلت الإدارة مطالب العمال ورفضت التواصل مع ممثليهم في القاهرة.

هذا التجاهل التام من قبل الإدارة دفع العمال إلى اتخاذ خطوة تصعيدية جديدة، حيث نظموا اعتصامًا حاشدًا أمام مقر الشركة في أسوان مطالبين بالحصول على كامل حقوقهم.

وكان العمال يطالبون بأن تكون الأرباح التي حققتها الشركة في العام الماضي وهي مليار و115 مليون جنيه من نصيبهم، خاصةً وأنهم يواجهون ضغطًا شديدًا من الحياة اليومية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد.

ومن ناحية أخرى، أشار عبد المالك إلى أنه رغم أن الشركة لا تُلزم قانونًا بتحديد حد أدنى للأرباح، إلا أن إدارة “كيما” قامت بتحديد 30 ألف جنيه كحد أدنى للأرباح المقررة لكل عامل.

لكن هذه الزيادة في الأرباح لم تراعِ الفروق الواضحة بين درجات الموظفين. على سبيل المثال، تم رفع الراتب إلى 6 آلاف جنيه بغض النظر عن سنوات الخدمة في الشركة.

وهذا التصرف غير العادل خلق فجوة بين العمال الجدد والقدامى، مما دفع العاملين الذين أمضوا سنوات طويلة في الشركة للاحتجاج على هذه القرارات التي تضر بمصالحهم.

وتستمر الأزمات في التصاعد داخل الشركة دون أي تدخل جاد من قبل المسؤولين في الحكومة. فبينما تطالب حكومة مصر بحلول اقتصادية عاجلة للتصدي للأزمات المالية التي يعاني منها الشعب، يظل الوضع داخل شركات كـ”كيما” مثالًا صارخًا على التقاعس الحكومي في حماية حقوق العمال.

ليس فقط أن الحكومة تخضع لضغوط الشركات الكبرى، بل إنها تتجاهل وتغض الطرف عن المعاناة المستمرة التي يواجهها آلاف العمال في مختلف القطاعات.

الحكومة المصرية، التي تدعي في كل مناسبة أنها تسعى لتحسين الأوضاع الاقتصادية، لم تُظهر أي نية حقيقية لحل مشكلات عمال “كيما”.

بل على العكس، تتغاضى عن فساد الإدارات الحكومية والشركات الكبرى التي تتلاعب بالحقوق المالية للعمال وتمنعهم من الحصول على حصتهم من الأرباح التي حققتها شركاتهم.

هذه الحالة تؤكد أن هناك خللاً كبيراً في آليات الرقابة على هذه الشركات، خاصة في ظل غياب أي نوع من العقوبات على إدارة “كيما” أو غيرها من الشركات التي تتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن هناك قلقًا متزايدًا بشأن مصير العمال الذين يعيشون في ظروف متدهورة. فلا يقتصر الأمر على أزمة الأرباح السنوية فقط، بل هناك أيضًا تراجع في مستوى الخدمات الصحية، وضعف في التقديمات الاجتماعية التي يفترض أن تحمي العاملين.

هذا كله يؤكد أن ما يعانيه العمال ليس مجرد مشكلة مالية، بل هو جزء من سياسة حكومية أوسع تهدف إلى إضعاف الطبقة العاملة في مصر، بينما تزداد ثروات الشركات الكبرى التي تحظى بحماية حكومية كاملة.

الحديث عن فساد الحكومة المصرية قد يبدو مبتذلاً للكثيرين، لكن الوقائع المتواصلة في أماكن مثل “كيما” تدعم هذا الاتهام.

فبينما يصرخ العمال في أسوان مطالبين بحقوقهم، لا نجد أي تحرك حقيقي من قبل الحكومة أو المسؤولين الحكوميين لحل هذه الأزمة، بل على العكس، يتم تأجيل الحلول وإلقاء اللوم على العاملين أنفسهم.

وبذلك، تتواصل حلقة الاستغلال الحكومي في مصر، ويبقى العمال في مواجهة معركة يومية للحفاظ على حقوقهم التي يكفلها القانون، وسط تجاهل تام من حكومة تفتقد للرؤية الحقيقية لحل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى