تفجيرات البيجر تفضح أزمة إيران في لبنان ومخاوف تصعيد الإقليم
في خطوة مفاجئة وفي أول ظهور علني له منذ التفجيرات المروعة التي هزت بيروت في سبتمبر الماضي، ظهر السفير الإيراني في لبنان مجتبي أماني في لقاء رسمي مع وزير خارجية بلاده عباس عراقجي وكأن لا شيء قد حدث وكأن الحياة تسير بشكل طبيعي رغم كارثة دموية لم تترك وراءها سوى الألم والخوف.
السفير الذي كان قد أصيب في تفجيرات البيجر التي تزامنت مع أحداث مروعة، لم يكن في حالته المعتادة بل ظهر وهو يعاني من إصابات بالغة.
عينه التي أصيبت بجروح خطيرة ويده التي كانت ملفوفة برباط طبية شديدة قد عكست حجم الدمار الذي لحق به جراء تلك التفجيرات، بينما ظهرت إحدى أصابعه مقطوعة مما يثير التساؤلات حول نوعية الهجوم وأهدافه.
تفجيرات البيجر التي وقعت في السابع عشر من سبتمبر الماضي قد طالت العديد من المناطق اللبنانية وخلّفت وراءها ما يزيد عن 3000 إصابة بين المدنيين والعسكريين، إلى جانب العديد من القتلى الذين لم ينجوا من هذا الهجوم المروع، وعلى رأسهم عناصر من حزب الله.
تفجيرات منسقة تنم عن تنسيق وتخطيط استراتيجي على أعلى مستوى، أثارت الخوف والذعر بين الجميع في لبنان وداخل الدوائر السياسية الإقليمية والدولية.
السفير الإيراني في لبنان نقل إلى طهران بعد إصابته بعيار قاتل من التفجيرات التي أصابت المئات وغطت تداعياتها وسائل الإعلام بشكل مستمر.
كان أماني في ذلك الوقت في قلب الحدث، ولم تكن إصابته الوحيدة في الحادث، بل كان هناك أكثر من مئة عنصر من حزب الله قد تعرضوا لإصابات بالغة جعلت بعضهم يفقد جزءًا من أعضائه أو يُصاب بشلل مؤقت أو دائم.
لا يمكن لأي عاقل أن يتخيل حجم الكارثة التي عاشها هؤلاء الأشخاص خلال اللحظات التي تلت التفجيرات، حيث كانت المشاهد مروعة ومؤلمة بشكل يصعب وصفه.
بينما نقل الإعلام الإيراني أن السفير أماني خضع لأكثر من عملية جراحية مكثفة على عينيه في محاولة لإعادة البصر بشكل تدريجي، مما يعكس حجم التدمير الذي أصاب جسده، ويتحدث عن طبيعة التفجيرات.
لكن المفاجأة لم تكن فقط في ذلك، بل كانت في السرعة التي عاد بها السفير أماني للعمل بعد أيام قليلة من تحسنه، حيث تشير التقارير إلى أنه سيعود إلى لبنان ليزاول مهامه الدبلوماسية بعد استقرار حالته الصحية، ويستأنف وجوده في السفارة الإيرانية، في وقت كانت فيه الأوساط السياسية والعسكرية تترقب كل حركة منه أو من إيران على حد سواء، وكأن هذا الظهور بعد الحادث هو بداية لفصل جديد من تداعيات التفجيرات التي لم تنته بعد.
ولكن الواقع يكشف عن شيء آخر، فالتفجيرات التي اجتاحت لبنان لم تكن مجرد حادث عارض أو عمل إرهابي فردي، بل هي حلقة في سلسلة من الأحداث التي كانت تهدف إلى زعزعة الاستقرار في لبنان وخلط الأوراق السياسية في المنطقة.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ما هي الأهداف الحقيقية لهذا الهجوم؟ هل كان مجرد استهداف شخصي للسفير الإيراني أم كان جزءًا من مؤامرة أوسع ضد مصالح إيران وحلفائها في المنطقة؟ هل كان الهدف هو إيصال رسالة من أطراف معينة لا تريد لإيران أن تواصل قوتها وهيمنتها في لبنان؟
حتى الآن، لا تزال الأسئلة أكثر من الأجوبة، وما يمكن تأكيده هو أن التفجيرات لم تكن مجرد حادثة إرهابية عابرة. بل هي تعبير عن صراع قوى إقليمية في منطقة ملتهبة أصلاً بأحداث سياسية وعسكرية معقدة.
وتبقى أسئلة مريبة تحوم حول الجهات التي تقف وراء هذا الهجوم المروع، حيث يُتوقع أن يكون لهذه التفجيرات تداعيات بعيدة المدى على مجمل الوضع الأمني والسياسي في لبنان.
كل هذا يحدث في وقت حساس للغاية بالنسبة للبنان الذي يعاني بالفعل من أزمات اقتصادية خانقة، كما أن تلك التفجيرات أضافت عبئًا إضافيًا على كاهل الشعب اللبناني، الذي لا يزال يئن تحت وطأة الأزمات المتلاحقة.
تأثير هذه التفجيرات لم يتوقف عند الضحايا المباشرين، بل امتد ليشمل القلق العام على مصير البلاد في ظل تجاذبات سياسية وصراعات طائفية مدمرة تزداد تعقيدًا مع مرور الوقت.
ولا يمكن النظر إلى هذا الحدث فقط على أنه مجرد انفجار، بل هو جزء من مؤامرة كبرى قد تعصف بمنطقة الشرق الأوسط بأسرها.
إذ لا يبدو أن الأمور ستظل كما هي، فكل يوم جديد يأتي محملًا بالمفاجآت، وقد تفتح هذه التفجيرات الباب أمام تصعيد غير مسبوق في الصراع الإقليمي، ليصبح السؤال المطروح هو: إلى أين سيأخذنا هذا التصعيد الجديد؟ وما هي الخطوة التالية التي ستكشف عن الوجه الحقيقي للأحداث القادمة؟