في خطوة أثارت جدلاً واسعاً على مستوى المجتمع المصري، أقدمت السلطات المصرية على القبض علي الطبيبة وسام شعيب، طبيبة النساء والتوليد في كفر الدوار، وذلك بعد نشرها لمقطع فيديو تتحدث فيه عن حالات حمل غير شرعي شاهدتها خلال عملها.
هذا القبض لم يكن سوى تعبير عن قمع ممنهج يستهدف الأصوات التي تجرؤ على انتقاد الواقع الأخلاقي والاجتماعي المتردي في البلاد، في وقت تغض فيه الحكومة الطرف عن الفساد والفجور الذي أصبح يتفشى بشكل خطير داخل المجتمع.
تحرك السلطة والدراما الأخلاقية
إن ما يثير الغضب في هذه القضية هو ليس فقط القبض الجائر للطبيبة، بل التوقيت والأسلوب الذي استخدمته السلطات في التعامل معها. المحامي المعروف منتصر الزيات أكد في تصريحاته أن الأمر لم يكن متعلقاً بما قالته الطبيبة بل بالطريقة التي عبرت بها.
أسلوبها الجريء في سرد الوقائع ومواجهتها لمشاكل أخلاقية متفشية في المجتمع كان صادماً للعديدين. لكن بدلاً من تحرك السلطات لحماية المجتمع من الفساد الأخلاقي والرذيلة المتفشية، تحركت للقبض من يجرؤ على الحديث عنها.
مهرجانات الجونة وصناعة الفاحشة
يُعزى جزء كبير من انتشار الفساد الأخلاقي في مصر إلى ما يُسمى بالفن والدراما الحديثة التي باتت تحتضنها منصات مثل مهرجان الجونة السينمائي.
هذه الفعاليات لا تمثل فقط فضاءً للفن، بل أصبحت أدوات تروج للرذيلة في المجتمع. ما أثار الاستياء الشديد في فيديو الطبيبة وسام هو كشفها لحقيقة أن كثيراً من حالات الحمل التي شاهدتها في المستشفى كانت ناتجة عن علاقات غير شرعية، وهي حقيقة صادمة لكنها تعكس واقعاً يجب مواجهته.
بدلاً من أن تقوم السلطات بتحرك جاد لمواجهة هذا الفساد الأخلاقي المتفشي، قررت توجيه كل طاقاتها للقبض على الطبيبة التي كانت فقط تدق ناقوس الخطر حول ما تشهده المستشفيات من حالات مروعة.
ما قاله المحامي منتصر الزيات يلخص الوضع بشكل دقيق: “كل هؤلاء حرّكهم أسلوب الدكتورة وسام ولم يحركهم ذيوع الفاحشة والرذيلة التي تمكنت منا ومن فواصل المجتمع”. هذه العبارة وحدها تفضح عمق المأساة التي يعيشها المجتمع المصري اليوم.
الازدواجية في التعامل مع القضايا الأخلاقية
إن المجتمع المصري اليوم يعيش حالة من الازدواجية غير المسبوقة في تعامله مع القضايا الأخلاقية. فبينما يتم قمع الأصوات التي تجرؤ على انتقاد الفساد الأخلاقي أو التحدث بصراحة عن الرذيلة المنتشرة،
يتم الترويج بشكل غير مباشر للفاحشة عبر المسلسلات والأفلام والمهرجانات الفنية التي لا تراعى فيها أي معايير أخلاقية. الحكومة بدلاً من أن تتحرك لإصلاح هذا الوضع المؤلم، تبدو وكأنها تستهدف من ينتقدها.
الدكتورة سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، حاولت في تصريحاتها الدفاع عن الطبيبة وسام، مشيرة إلى أن الأخيرة لم تقصد الإساءة وإنما كانت تسعى للنصح والإرشاد.
صالح أكدت أن الهدف من تصريحات الطبيبة كان التنبيه إلى مخاطر تفشي العلاقات غير الشرعية وليس التشهير بأحد أو الإساءة إلى سمعة النساء المصريات.
لكن يبدو أن هذه الأصوات العقلانية لا تجد صدى في أذن السلطة التي فضلت قمع من ينبه على المشاكل بدلاً من معالجة الجذور العميقة للأزمة الأخلاقية.
الواقع المؤلم في المستشفيات
إن ما كشفته الطبيبة وسام ليس مجرد حالات فردية، بل هو انعكاس لحالة مجتمع يتفكك أخلاقياً. المستشفيات المصرية تشهد حالات صادمة من الحمل الناتج عن علاقات غير شرعية، وهو ما يجب أن يثير قلق أي مجتمع يسعى إلى الحفاظ على قيمه وأخلاقياته.
لكن بدلاً من أن يتم معالجة هذه الظاهرة بشكل جذري، يتم قمع من يجرؤ على التحدث عنها وكأن الحديث عن الرذيلة أصبح جريمة في حد ذاته.
هذه السياسة الحكومية تمثل انعكاساً لحالة أوسع من التدهور في القيم المجتمعية. فبدلاً من دعم المبادرات التي تسعى لحماية القيم الأخلاقية، يتم توجيه الجهود نحو قمعها.
لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه الفنون والإعلام في تفشي هذه الظاهرة، حيث يتم تقديم الشخصيات التي تمارس الفاحشة على أنها نماذج تُحتذى، وتصبح العلاقات غير الشرعية موضوعاً طبيعياً في الدراما الحديثة. هذه الأمور تترك أثراً بالغاً على وعي الشباب والمراهقين الذين يعتبرون هذه النماذج جزءاً من الواقع الطبيعي.
التخاذل الحكومي وتفشي الفاحشة
الحكومة المصرية اليوم أمام اختبار صعب يتطلب منها اتخاذ موقف واضح وحازم تجاه الفساد الأخلاقي الذي ينتشر في المجتمع.
قمع الطبيبة وسام شعيب والقبض عليها لن يحل المشكلة، بل يزيد من حدة الاحتقان الاجتماعي ويعزز الانطباع بأن هناك من يريد التستر على الفساد الأخلاقي الذي ينهش في جسد المجتمع.
ما يحدث في مصر اليوم من تجاهل متعمد لتفشي الفاحشة وتحرك الأجهزة الرسمية ضد من يحاولون تسليط الضوء عليها يمثل أزمة أخلاقية واجتماعية كبيرة.
إن القبض علي الطبيبة وسام يكشف بوضوح عن خلل خطير في منظومة القيم المجتمعية التي يُفترض أن تكون محمية من قبل الحكومة.
هذه الحالة من الفوضى الأخلاقية التي نراها في المجتمع المصري ليست ناتجة عن الطبيبة أو أسلوبها في الحديث، بل هي نتيجة لسياسات تراكمت عبر السنوات وساهمت في نشر الرذيلة والتغطية على الأخطاء الأخلاقية التي تُمارس علناً وتُروج لها تحت ستار الفن والثقافة.
مستقبل مجهول بين قمع الفاضلين وتشجيع الفساد
ما يجعل الوضع أكثر تعقيداً هو مستقبل مصر في ظل هذه السياسات المتناقضة. إن تشجيع الفساد الأخلاقي والترويج للرذيلة من خلال الدراما والفنون لن يؤدي إلا إلى مزيد من التفكك والانهيار الأخلاقي.
في الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه الحكومة هي الحصن الذي يحمي المجتمع من هذه الآفات، نجد أنها تتخذ موقفاً معادياً لمن يحاول الإصلاح.
من الضروري أن يعاد النظر في كيفية التعامل مع القضايا الأخلاقية والاجتماعية في مصر. البلاد بحاجة إلى قيادة واعية تدرك أن المجتمع الذي يتسامح مع الفساد الأخلاقي لن يستطيع الصمود طويلاً.