في خطوة تم تسويقها على أنها ثورة في تطوير منظومة الخبز المدعوم، بدأت مخابز محافظة البحر الأحمر تطبيق تقنية الليزر في إنتاج الخبز، بهدف تحسين الجودة وتوفير الوقت.
ولكن ما يبدو ظاهريًا كتحرك حكومي إيجابي هو في الحقيقة غطاء لمزيد من الفساد والتقاعس، حيث تتكشف الأبعاد الحقيقية لتلك المنظومة التي تحمل معها مخاطر كبيرة على المواطن البسيط، وسط تجاهل متعمد من قبل الحكومة والقيادات المعنية.
وبدلًا من أن تأتي هذه التقنية بحلول جذرية للمشكلات اليومية التي يعاني منها المواطن، يتضح أن هذه الخطوة لم تأت إلا لخدمة مصالح خاصة وترك المواطن وحيدًا في مواجهة تداعياتها السلبية.
أكذوبة تحسين جودة الخبز: تكنولوجيا الليزر تغطي على الفشل الحكومي
في تصريح صحفي مثير للجدل، أعلن شاذلي عايش، مدير مديرية التموين بمحافظة البحر الأحمر، أن مخابز مدينة الغردقة بدأت تطبيق منظومة الخبز المدعم باستخدام تكنولوجيا الليزر.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف يمكن لتقنية الليزر أن تكون الحل السحري لتحسين جودة ووزن رغيف الخبز؟ الحكومة تروج لهذا الإجراء على أنه تحسين شامل لمنظومة الخبز المدعوم، ولكن الحقيقة أن تحسين جودة الخبز لا يعتمد على التكنولوجيا وحدها بقدر ما يعتمد على تطوير بنية تحتية متكاملة وتوفير المواد الخام اللازمة بشكل كافٍ ومنتظم، وهو ما لم تقم به الحكومة المصرية.
ويأتي هذا التطوير ضمن ما وصفته السلطات بأنه “تنفيذ لتوجيهات القيادة السياسية”، ولكن هل هذا الاهتمام الزائد بتطوير المخابز بالتكنولوجيا يخفي وراءه تعمدًا في التغطية على الفشل الحكومي في توفير أساسيات العيش؟
فالخطوة الحقيقية لتطوير الخبز تبدأ من توفير دقيق عالي الجودة وضمان الرقابة الصارمة على المخابز لضمان التزامها بالمعايير، وليس بإدخال تقنيات معقدة لا تخدم سوى مصالح المستثمرين الكبار.
دعم حكومي فارغ: تصريحات الوزراء لا تُترجم على أرض الواقع
تصريحات شاذلي عايش لم تتوقف عند تكنولوجيا الليزر فقط، بل أشار أيضًا إلى دعم وزير التموين الدكتور شريف فاروق ومحافظ البحر الأحمر اللواء عمرو حنفي لهذه المنظومة.
لكن ما قيمة هذه التصريحات في ظل غياب أي دور حقيقي للحكومة في متابعة جودة الخبز وتوفير الدعم المالي اللازم للمخابز؟ فالتطوير المزعوم للمخابز يتم بالكامل على نفقة أصحابها، في خطوة تكشف بشكل صريح عن تقاعس الدولة عن القيام بمسؤولياتها.
الأمر الأكثر خطورة هو أن الحكومة تقدم لأصحاب المخابز ميزات مالية تزيد من حصصهم من الدقيق، دون النظر إلى تأثير ذلك على باقي المخابز اليدوية الصغيرة التي يعتمد عليها ملايين المواطنين في المناطق الريفية. هذا الدعم الانتقائي يثير العديد من التساؤلات حول عدالة توزيع الموارد وتجاهل الفئات الأكثر احتياجًا.
مخابز آلية في الأزمات والكوارث: من المسؤول عن المواطن العادي؟
أحد النقاط التي أثارها شاذلي عايش هي أن المخابز الآلية تعتبر مخابز استراتيجية تستخدم في حالات الأزمات والكوارث. ولكن ماذا عن المواطن العادي الذي يعاني يوميًا للحصول على رغيف خبز بوزن وجودة مقبولة؟ هل تمثل هذه الخطط الاستراتيجية حلًا لمشكلات المواطن اليومية أم أنها مجرد إجراءات احترازية لا تقدم شيئًا جديدًا؟
كما كشف عايش عن أن بعض هذه المخابز تعمل بالمولدات الكهربائية لضمان استمرار إنتاج الخبز في حال انقطاع التيار الكهربائي. لكن هذا يثير التساؤلات حول مدى قدرة هذه المخابز على العمل في ظل الظروف العادية، فهل تعاني هذه المخابز من انقطاعات كهربائية مستمرة؟
وهل تم تجهيز المخابز بما يكفي لضمان عدم انقطاع الإنتاج اليومي؟ أم أن الحكومة تعتمد على حلول مؤقتة لا تقدم حلاً فعليًا للمواطنين؟
مميزات مشبوهة: الإنتاج الكبير يخفي العيوب
أشار مدير مديرية التموين إلى أن من مميزات المخابز الآلية أنها تنتج 10 آلاف رغيف في الساعة الواحدة بوزن قانوني وجودة عالية. لكن هل هذه الأرقام تعكس الواقع على الأرض؟ المخابز الآلية قد تتميز بإنتاج كميات ضخمة، ولكن السؤال الأساسي هو: هل هذه الأرغفة تتوافق بالفعل مع معايير الجودة المطلوبة؟ وهل يتلقى المواطن فعليًا رغيفًا بوزن قانوني، أم أن الأرقام مجرد مبالغات دعائية تهدف لتغطية العيوب الواضحة في النظام؟
المخابز الآلية قد تنتج كميات كبيرة من الخبز، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة القضاء على الزحام أو تحسين مستوى الرغيف. المواطنون ما زالوا يشتكون من رداءة الجودة والنقص المستمر في الوزن، وهو ما يدل على أن المشكلة أكبر من مجرد التكنولوجيا. أين الرقابة الحكومية؟ وأين التحقيق في الشكاوى المتزايدة من المواطنين حول تدني جودة الخبز؟
فساد وإهمال: الحكومة تتجاهل المخابز اليدوية وتخدم مصالح الكبار
الأمر الأكثر خطورة في هذا السياق هو أن هذه المنظومة الجديدة تأتي على حساب المخابز اليدوية الصغيرة التي تمثل جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية للمواطنين في المناطق النائية والريفية.
فالحديث عن تقديم ميزات مالية لأصحاب المخابز الكبيرة يشير إلى توجه واضح لخدمة مصالح فئة معينة من المستثمرين على حساب المواطن البسيط.
وفي ظل هذا الفساد والإهمال الحكومي، تتحول هذه الخطط المعلنة لتطوير المخابز إلى مجرد واجهة تخفي وراءها أزمة حقيقية، حيث يعاني المواطنون من تدني جودة الخبز وزيادة الأسعار، بينما تستفيد فئة محدودة من هذه التطورات التكنولوجية.