في ظل حالة من التخبط والتقاعس المستمر، تشهد مصر أزمة حادة في قطاع الطاقة تعكسها تراجعات ملحوظة في إنتاج الغاز الطبيعي وتدفقات الغاز المستوردة من إسرائيل، وهو ما يزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي.
بحسب مسؤول حكومي مصري مطلع، فإن تدفقات الغاز الإسرائيلي إلى مصر شهدت انخفاضًا كبيرًا بلغ نحو 20% خلال الأيام القليلة الماضية، حيث تراجعت التدفقات إلى ما يتراوح بين 800 و850 مليون قدم مكعبة يوميًا، بعد أن كانت تتراوح بين مليار و1.05 مليار قدم مكعبة يوميًا خلال شهر أكتوبر الماضي.
هذه الأرقام الكارثية تفضح مستوى الإهمال والتقاعس الحكومي في التعامل مع قطاع حيوي مثل الطاقة، وهو ما يعكس تخبطًا شديدًا في سياسات الحكومة وعدم قدرتها على إدارة الأزمة بكفاءة.
تراجع إنتاج الغاز في مصر: أزمة متفاقمة وإجراءات غير فعالة
إذا كانت التراجعات في واردات الغاز الإسرائيلي تمثل أزمة حقيقية، فإن الصورة تصبح أكثر قتامة عند النظر إلى الإنتاج المحلي للغاز الطبيعي في مصر، والذي شهد هو الآخر تراجعًا حادًا بلغ ما بين 20% و25% خلال العامين الماضيين.
هذا الانخفاض الكبير يعكس فشلًا ذريعًا في إدارة قطاع الطاقة، ويطرح تساؤلات مشروعة حول أسباب هذا التراجع، ومن المسؤول عن هذه الكارثة؟ وزير البترول كريم بدوي اعترف ضمنيًا بحجم المشكلة عندما أشار إلى أن الحكومة تحاول الآن اتخاذ “إجراءات تحفيزية” لدعم الشركاء في برامج التنمية وخطط الحفر والاستكشاف.
ولكن، هل تأتي هذه الإجراءات في الوقت المناسب؟ وهل هي كافية لإنقاذ قطاع يبدو أنه ينهار يومًا بعد يوم؟
أهداف طموحة بلا رؤية واضحة
في ظل هذا التراجع الحاد، أعلنت وزارة البترول عن خطط لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنحو مليار قدم مكعبة يوميًا بحلول منتصف عام 2025، من خلال حفر آبار جديدة وتنمية عدد من الحقول القائمة.
ولكن يبقى السؤال: هل هذه الوعود واقعية؟ وكيف يمكن تحقيق هذه الأهداف في ظل تراجع الإنتاج بشكل حاد؟ الحكومة تبدو كأنها تسابق الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن دون رؤية واضحة أو استراتيجية فعالة.
حجم الزيادة المستهدفة في الإنتاج يقارب 20%، وهو ما يعني أن الإنتاج المحلي للغاز قد يصل إلى 5.8 مليار قدم مكعبة يوميًا، ولكن هذه الزيادة المرتقبة لا تبدو كافية لمواجهة التحديات الهائلة التي تواجه قطاع الطاقة في مصر.
أزمة الكهرباء: انقطاع مستمر وتفاقم الضغط على الموازنة
منذ الأشهر الماضية، باتت انقطاعات الكهرباء مشهدًا مألوفًا في حياة المصريين. هذه الانقطاعات لم تكن ناتجة عن حوادث عابرة أو أعطال فنية بسيطة، بل هي نتيجة مباشرة لتراجع الإنتاج من الغاز الطبيعي.
الحكومة، وكعادتها، لم تجد حلاً سوى اللجوء إلى استيراد شحنات إضافية من الغاز الإسرائيلي في محاولة لسد العجز المتفاقم.
لكن، بدلاً من أن تكون هذه الخطوة حلًا، فإنها زادت من الضغط على الموازنة العامة للدولة، حيث ارتفعت فاتورة استيراد الغاز المسال بشكل يهدد الاستقرار المالي للبلاد. الحكومة عاجزة عن توفير الكهرباء بشكل مستدام، والشعب يدفع الثمن من خلال ارتفاع فواتير الكهرباء وانقطاع التيار بشكل مستمر.
الفساد الحكومي والتقاعس في إدارة الأزمة
إذا كان التراجع في إنتاج الغاز وتدفقات الغاز الإسرائيلي يمثلان جوانب من الأزمة، فإن الفساد الحكومي والتقاعس الواضح في إدارة الملف يزيدان من تعقيد الوضع.
هناك غياب كامل للشفافية والمساءلة، فلا أحد يعلم على وجه التحديد من المسؤول عن هذا الانهيار، ومن يتحمل المسؤولية عن اتخاذ قرارات متأخرة وغير مدروسة.
لماذا لم تتحرك الحكومة في وقت مبكر لاحتواء الأزمة؟ ولماذا استمر تدهور الوضع حتى وصل إلى هذا المستوى الكارثي؟ الأسئلة كثيرة، ولكن الأجوبة غائبة، تمامًا كما تغيب الكهرباء عن بيوت المصريين لساعات طويلة.
الأزمة في المستقبل: هل تتحول مصر إلى مستورد دائم للغاز؟
مع التراجعات المستمرة في إنتاج الغاز الطبيعي، يطرح سؤال ملح حول مستقبل مصر في قطاع الطاقة. هل ستظل مصر قادرة على تلبية احتياجاتها من الغاز المحلي؟ أم أنها ستتحول إلى مستورد دائم للغاز، ما سيزيد من الضغط على الاقتصاد الوطني والموازنة العامة؟
إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإن مصر قد تجد نفسها في وضع لا تحسد عليه، حيث ستكون رهينة لأسواق الغاز العالمية وتقلباتها، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاعات كبيرة في تكاليف الطاقة ويزيد من الأعباء الاقتصادية على المواطنين.
أزمة الطاقة تكشف عمق الفشل الحكومي
ما يحدث في قطاع الطاقة بمصر لا يمكن وصفه سوى بأنه كارثة بكل المقاييس. التراجع الحاد في إنتاج الغاز، وانخفاض تدفقات الغاز الإسرائيلي، وانقطاعات الكهرباء المتواصلة، كلها أعراض لفشل حكومي شامل في إدارة قطاع حيوي.
الحكومة المصرية تبدو غير قادرة على تقديم حلول جذرية للأزمة، وتستمر في اتخاذ قرارات متأخرة وغير فعالة. في ظل هذه الفوضى، لا يمكن للمواطن المصري سوى أن يتساءل: إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ ومن سيدفع الثمن في النهاية؟