مهرجان شكرا مصر: شكر شعبي أم مناورة سياسية بين مصر والسودان
في خطوة مفاجئة لا تخلو من الريبة، امتلأت شوارع القاهرة بلافتات غامضة منسوبة إلى بنك الخرطوم السوداني، تحمل عبارة “شكرا مصر على طيبة أهلك وكرم أصلك”.
قد تبدو هذه اللافتات في ظاهرها رسالة شكر عادية، لكنها تثير تساؤلات عميقة وشكوكاً حول الهدف الحقيقي من ورائها. هل نحن أمام تعبير صادق عن الامتنان، أم أن هناك ما هو أعمق وأخطر يدور في الكواليس؟
السفارة السودانية سارعت لتقديم تفسير رسمي، حيث أكدت أن هذه الحملة الإعلامية هي مجرد تمهيد لما يسمى “مهرجان شكرا مصر”، وهو احتفال ينظمه السودانيون للتعبير عن شكرهم لما وصفوه بـ”حفاوة الاستقبال” في مصر خلال الأزمة السودانية الأخيرة.
السفير السوداني بالقاهرة، الفريق أول ركن مهندس عماد الدين مصطفى عدوي، هو الذي كشف عن هذه المبادرة، معلناً أنها تهدف إلى شكر مصر حكومة وشعباً. لكن هل نحن بصدد بادرة نابعة من القلب، أم أنها محاولة للتلاعب بمشاعر المصريين؟
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا الآن؟ لماذا في هذا التوقيت الحساس الذي يشهد فيه السودان أوضاعاً مضطربة وحكومة انتقالية تحاول التمسك بالسلطة بأي ثمن؟
أليس هذا المهرجان محاولة مكشوفة لتحسين صورة النظام السوداني أمام الشعب المصري والعالم، ولإعادة صياغة العلاقات بين البلدين بشكل يتماشى مع المصالح السياسية أكثر من كونه تعبيراً عن مشاعر حقيقية؟
اللجنة العليا للمهرجان تضم نخبة من الشخصيات السودانية من مختلف المجالات: إعلاميين، كتاب، ممثلين، وعسكريين، إضافة إلى رموز اجتماعية واقتصادية.
يبدو أن الهدف هنا ليس فقط شكر مصر، بل الترويج لفكرة أن العلاقات بين البلدين راسخة وقوية رغم كل التوترات التي مرت بها عبر السنوات. لكن هل هذه الشخصيات تمثل فعلاً صوت الشعب السوداني، أم أنها مجرد واجهة لتلميع النظام السوداني الحالي؟
الأمر لا يتوقف هنا. فقد بدأت الفكرة أصلاً من اجتماع غامض في نادي الدقي الرياضي، برئاسة عبد الله المحجوب الميرغني وبحضور رئيس الجالية السودانية الدكتور حسين محمد عثمان، حيث أعلنت الجالية عن نيتها تكريم بعض الشخصيات المصرية الرسمية والشعبية.
تكريم! لماذا الآن؟ هل نحن أمام اعتراف حقيقي بالجميل أم محاولة لاستغلال هذا التكريم كغطاء سياسي لتلميع صورة القيادات السودانية وتحسين العلاقات مع مصر في هذه الفترة الحرجة؟
عبد القادر عبد الله، القنصل العام للسودان في أسوان، صرح بأن القنصلية تعمل على تنظيم هذه المبادرة لتقدير مواقف مصر تجاه السودانيين، لكن لا يمكننا إغفال أن السودان يمر بأزمة طاحنة، وأن النظام الحالي يبحث عن أي وسيلة لتأمين دعم خارجي يخفف من الضغط الداخلي والخارجي عليه.
هل مهرجان “شكرا مصر” هو فعلاً تعبير عن شكر السودانيين، أم أنه محاولة للاستفادة من علاقات مصر لتثبيت أقدام النظام السوداني في هذه المرحلة؟
حتى اللجنة الثلاثية التي تولت تنظيم المهرجان عقدت اجتماعات مكثفة بحضور شخصيات عسكرية وإعلامية لمناقشة التفاصيل الفنية والميزانية. والميزانية هنا نقطة حرجة.
كم سيكلف هذا المهرجان؟ ومن سيمول هذه الاحتفالات؟ هل هي أموال الشعب السوداني الذي يعاني من ويلات الحرب والفقر، أم أن هناك تمويلاً خارجياً يهدف إلى تحقيق مصالح سياسية معينة؟
الأمر الأكثر إثارة هو زيارة وفد المهرجان لنقابة المهن التمثيلية المصرية، حيث اجتمعوا مع الفنان الدكتور أشرف زكي والفنان أشرف طلبة لبحث مشاركة الفنانين المصريين في هذا المهرجان.
لماذا الاهتمام الكبير بإشراك الفنانين؟ هل هو مجرد محاولة لإضفاء بريق إعلامي على المهرجان، أم أنه خطوة مدروسة لاستخدام القوة الناعمة لتحسين صورة النظام السوداني من خلال الفن والثقافة؟
وتبقى الأسئلة الحارقة: هل مهرجان شكرا مصر هو بالفعل بادرة شكر صادقة، أم أنه محاولة للتلاعب بمشاعر المصريين لتحقيق مكاسب سياسية للنظام السوداني؟
هل يمكن أن نتوقع أن هذه المبادرة ستؤدي إلى تحسين حقيقي في العلاقات بين البلدين، أم أنها مجرد خطوة تكتيكية في لعبة سياسية أكبر؟
الأيام القادمة وحدها ستكشف ما إذا كان هذا المهرجان هو تعبير عن مشاعر صادقة، أم مجرد قناع يخفي وراءه أهدافاً خفية.