فضيحة طبية في أسيوط: توأمان يموتان بسبب إهمال فاضح في المستشفى
في واحدة من أبشع المآسي الصحية التي تتكشف أمام أعيننا، أصدر المستشار عبد الراضي صِدِّيق، رئيس هيئة النيابة الإدارية، تكليفًا فوريًا للنيابة الإدارية في أسيوط للتحقيق في واقعة كارثية وصلت إلى مستوى من الإهمال الطبي لا يمكن تصوره.
الأب المفجوع الذي فقد طفليه التوأم حديثي الولادة في مستشفى أسيوط، رفع صوته مطالبًا بالعدالة بعد أن اكتشف أنه لم يفقد طفليه بسبب قدر الله، بل بسبب تسيب ولامبالاة أطقم طبية لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة على حساب حياة الأبرياء.
النيابة الإدارية، التي تحركت بسرعة غير معهودة، وجهت المستشارة فاطمة عثمان، مدير النيابة الإدارية بأسيوط، لفتح تحقيق عاجل في الواقعة، في استجابة سريعة للشكوى التي تلقتها من والد التوأمين.
التحقيقات بدأت بشكل فورى وشامل، حيث تم تشكيل فريق من المحققين برئاسة المستشار عبدالقادر عبدالرحمن، الوكيل العام، وضم المستشارين محمد يوسف وعلي مصطفى، إلى جانب وكيل مديرية الصحة بأسيوط، وذلك في مهمة ميدانية شديدة الخطورة.
الفريق القضائي استعرض كل السجلات الطبية وأماكن تقديم الرعاية في المستشفى، في خطوة غير مسبوقة لكشف الغطاء عن تفاصيل الجريمة الطبية.
لكن الواقعة التي تصدرت الصحف ليست مجرد وفاة لطفلين، بل هي جريمة مكتملة الأركان تُظهر فشل النظام الطبي بأسره. الأب، الذي قدّم شكوى صاعقة، لم يتردد في وصف ما جرى بعبارات مليئة بالمرارة.
فزوجته التي كانت حاملاً في توأم، توجهت إلى المستشفى بعدما فاجأتها أعراض الولادة المبكرة، لكن الأطباء في المستشفى لم يعيروا أدنى اهتمام لحالتها.
بدلاً من أن يتعاملوا مع وضعها الخطير بحذر واحترافية، أقدموا على استخراج الجنين الثاني بطريقة تفتقر إلى أبسط معايير الأمان الطبي، وهو ما تسبب في نزيف شديد ووضع حياة الأم والمولودين في خطر.
وعلى الرغم من أن التوأمين تم نقلهما إلى حضّانة الأطفال المبتسرين، إلا أن سوء الرعاية أدى إلى وفاتهما بعد يومين فقط.
النيابة، التي شكلت لجنة تحقيق قوية لمتابعة التفاصيل، لم تكتفِ بالتحقيق مع الأطباء والإداريين فقط، بل طالبت باستدعاء مدير إدارة العلاج الحر بمديرية الصحة بأسيوط، إلى جانب استشاريين متخصصين في التوليد وطب الأطفال، لاستكمال التحقيقات، وهو ما يعكس مدى جدية التحقيق في هذه القضية التي أخذت أبعادًا أكثر كارثية.
التحقيقات أظهرت مدى التسيب الذي يعم المستشفى، حيث تمت الاستعانة بجميع السجلات الطبية المتعلقة بالحالة، وتم التحفظ على تذكرة دخول زوجة الشاكي، وهي التذكرة التي تحتوي على كافة التقارير الطبية التي تفضح الإهمال.
لكن ما يجعل هذه الواقعة أكثر مرارة هو أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها مستشفيات أسيوط لاتهامات مشابهة. حالات الإهمال الطبي تتكرر، وكأن المسئولين عن الصحة في هذه المحافظة قد فقدوا كل حس إنساني أو مهني.
التسيب واللامبالاة أصبحا سمة بارزة في كل جوانب العمل الطبي، والمواطنون في أسيوط يدفعون الثمن غاليًا. مراكز الصحة العامة أصبحت محطات للموت البطيء بدلًا من أن تكون ملاذًا للنجاة.
من خلال هذه التحقيقات، أصبح من الواضح أن النيابة لن تتوانى في محاسبة المقصرين، ولكن هل سيؤدي هذا التحقيق إلى تغيير حقيقي؟
هل ستستفيق وزارة الصحة من سباتها وتبدأ في إعادة تقييم النظام الصحي الذي يبدو أنه يعاني من فساد عميق وفشل قاتل؟ إن التحقيقات مهما كانت نتائجها، لا يمكن أن تعيد الحياة لتوأمين بريئين ذهبوا ضحية إهمال لا يغتفر.
النظام الصحي في أسيوط لم يعد يقتصر على مجرد مشكلة إدارة أو سوء تفاهم، بل أصبح يتعلق بحياة المواطنين. هذه الحادثة ليست استثناءً، بل هي تمثل نموذجًا صريحًا لعدد لا يحصى من التجاوزات والإهمال الذي يهدد أرواح الأبرياء. وإذا كانت هناك إرادة حقيقية للإصلاح، يجب أن تبدأ من محاسبة كل من تسبب في هذه الكارثة المروعة.
هذه الجريمة الصحية ليست مجرد حادثة عرضية، بل هي نتيجة مباشرة لإهمال متعمد وعدم قدرة على تقديم الرعاية الصحية المناسبة.
إذا لم يتم اتخاذ خطوات عاجلة لتحسين الوضع، فإننا على أعتاب المزيد من المآسي التي يمكن أن تصيب أي أسرة أخرى في أي لحظة.