تقاريرمصر

فضيحة المبيدات المغشوشة في مصر: فساد الحكومة يقتل الفلاحين ويغرق الزراعة

لا تزال أزمة المبيدات المغشوشة والضارة تهدد صحة المواطن المصري وترزح تحت عبء تراخي الحكومة المصرية في محاسبة الفاسدين المتورطين في تدمير القطاع الزراعي، في وقت تكافح فيه الدولة لمواجهة هذه المشكلة المدمرة.

وقد أظهرت الحملات التي قامت بها وزارة الزراعة لمكافحة هذه الظاهرة مدى فشل النظام في التصدي لهذه القضية الشائكة.

وزارة الزراعة، التي ترفع شعار حماية الفلاح، لم تتمكن من وضع حد لمؤامرة فساد منظمة أدت إلى انتشار المبيدات المغشوشة وغير الصالحة للاستخدام على نطاق واسع في الأسواق المصرية. ومعظم الفلاحين أصبحوا ضحايا للغش والتدليس، في ظل استمرار الرقابة الهزيلة وضعف التنفيذ.

وزارة الزراعة وحملات غير مجدية

في شهر أكتوبر الماضي، حاولت وزارة الزراعة عبر حملات مكثفة أن تُظهر جدية في تصديها لهذه الأزمة، إلا أن النتائج التي تحققت كانت خجولة للغاية بالنظر إلى حجم الفساد المستشري في الأسواق.

فقد شنت الوزارة حملة على منافذ بيع المبيدات، حيث تم التفتيش على 1578 محلًا ومخزنًا، وأسفرت هذه الحملة عن ضبط 68 ألفًا و334 عبوة مبيدات من مختلف الأحجام والأنواع، وهي أرقام تظل ضئيلة مقارنة بحجم التجارة غير الشرعية للمبيدات في مصر.

ومع ذلك، ورغم هذه الأرقام، تبقى الحقيقة الصادمة أن الحملة أسفرت عن تحرير 36 محضرًا فقط لعرضها على النيابة العامة، وهو عدد قليل جدًا لا يعكس حجم الجريمة الحقيقية.

ومن المثير للدهشة أن هذه المحاضر توزعت على عدة محافظات ولكن لم يتم تحقيق أي نتائج ملموسة في القضاء على هذه الظاهرة. في الإسكندرية وحدها تم تحرير 7 محاضر، وفي الغربية تم تحرير 19 محضرًا، بينما كانت محافظة كفر الشيخ الأكثر تضررًا بتسجيل 5 محاضر.

التقصير الحكومي في محاربة الفساد

ما يحدث من تقاعس واضح في محاسبة المفسدين يتطلب تساؤلات جدية حول جهل أو تواطؤ وزارة الزراعة في مواجهة هذه القضية.

الحملة التي جرى التنسيق لها بين مختلف الإدارات الحكومية، مثل المعمل المركزي للمبيدات بقيادة الدكتورة هالة أبو يوسف، والإدارة المركزية لمكافحة الآفات بقيادة الدكتور أحمد رزق، تبدو على الورق وكأنها تحرك فعلي للقضاء على هذه التجارة المدمرة. لكن هذا التنسيق لا يتعدى كونه مجرد إجراءات شكلية لتهدئة الرأي العام دون أي إرادة حقيقية لمكافحة الفساد.

المعروف أن تجار المبيدات المغشوشة لا يخشون العقوبات، ذلك لأنهم يعلمون أن المساءلة القانونية في مصر ليست سوى إجراء روتيني لن تؤثر على تجارتهم غير المشروعة.

كل ذلك يحدث بينما يقف الفلاح المصري وحده في مواجهة الغش، محاصرًا بين فساد الحكومة وتلاعب التجار بمصيره.

التهديد الأكبر: المبيدات المغشوشة تدمير للزراعة والصحة

أما في ما يخص المخالفات التي جرى ضبطها، فقد تبين أن معظم المبيدات التي يتم تداولها هي مبيدات غير مسجلة أو مجهولة المصدر، مما يعرض صحة المواطن والمزارع على حد سواء لخطر داهم.

وقد أظهرت التحقيقات أن معظم المبيدات المغشوشة لا تتناسب مع المواصفات الطبيعية أو الكيميائية المطلوبة، ما يجعلها تشكل تهديدًا غير مسبوق على البيئة المصرية، إذ تؤدي هذه المبيدات إلى تلوث التربة والمياه وتعريض صحة الناس للخطر.

هذه الكوارث التي تحدث في صمت، في وقت يصرح فيه وزير الزراعة، علاء فاروق، بأرقام غير دقيقة عن حجم المبيدات المستخدمة في مصر، والتي تقدر بحوالي 10 آلاف طن.

بينما العالم ينتج 5 ملايين طن من المبيدات، بقيمة تصل إلى 60 مليار دولار، ويظهر أن أكثر من 7% من هذه المبيدات مغشوشة، لكن الحكومة المصرية، التي تزعم أنها تسعى لحماية المزارعين، لا تقدم خطوات ملموسة للحد من هذه التجارة غير المشروعة.

خطة الوزارة: هل هي خدعة جديدة؟

في خطوة مثيرة للجدل، أعلن وزير الزراعة عن مشروع إدارة مستدامة للمبيدات، الذي جاء في إطار اتفاق بين وزارة الزراعة وشركة كروب لايف.

ومع ذلك، يبقى التساؤل المهم: هل هذه الحملة مجرد محاولة لتحسين الصورة؟ إن الإعلان عن خطة لتقليص استهلاك المبيدات الكيميائية في مصر بنسبة 50% بحلول عام 2030 يبدو وكأنه محاولة لتسكين القلق الشعبي دون وجود إرادة سياسية حقيقية لتنفيذ هذا التحول الجذري في استخدام المبيدات.

الأرقام التي نشرها وزير الزراعة عن تحرير 157 محضرًا وضبط 65 طنًا من المبيدات غير المطابقة للمواصفات في الأشهر الثلاثة الماضية تكشف عن استهتار الحكومة بالأزمة.

فلو كان هذا هو الجهد الذي تبذله الحكومة للقضاء على مشكلة فساد المبيدات، فإن الفلاح المصري سيظل ضحية لهذا الفساد لعقود قادمة.

متى ستتحرك الحكومة فعلاً؟

لقد كشفت الأزمة المستمرة للمبيدات المغشوشة عن حجم الفساد الكبير في مصر. حكومة غائبة عن الوعي بما يحدث، وحملات شكلية ليس لها أثر ملموس على الأرض. وحتى الآن، لم نشهد محاسبة جدية أو تغييرات حقيقية تضع حدًا لهذا الفساد الذي يلتهم الأرض والمواطنين.

الفلاح المصري، الذي يعاني أصلاً من قسوة الحياة اليومية، يظل يدفع الثمن الأكبر في ظل الفشل الحكومي في محاربة تجار الموت الذين يعبثون بصحته وحياته. والأمر يزداد سوءًا مع كل يوم يمر دون أن نجد حلولًا حقيقية تكبح جماح هذه التجارة المدمرة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى