فضيحة استيراد السيارات المستعملة: فساد الحكومة المصرية يهدد أرواح المواطنين
في فضيحة جديدة تضاف إلى سلسلة طويلة من الفساد الحكومي والإهمال، كشفت وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية ومصلحة الجمارك عن قرارات جديدة فيما يتعلق باستيراد السيارات المستعملة، ولكن ما ظهر للعيان هو تقاعس واضح عن اتخاذ إجراءات حقيقية لمكافحة الفساد وتلاعب بعض التجار في الأرقام القياسية، ما يعكس فسادًا داخليًا عميقًا وفشلًا متكررًا في رقابة الأنشطة الاقتصادية في مصر.
في يوم 22 أكتوبر 2024، أرسل أحمد رفعت العسقلاني، وكيل وزارة الاستثمار ورئيس الإدارة المركزية للتجارة الخارجية، كتابًا رقم 1637 إلى الدكتور عاصم الكاشف، رئيس الإدارة المركزية للسياسات والإجراءات الجمركية في وزارة المالية، يتضمن قرارًا غريبًا يسمح بعرض السيارات المستعملة على المرور فقط في حال وجود شكوك جدية لدى الجمارك.
الغريب أن هذا القرار جاء بعد اجتماع بتاريخ 17 أكتوبر 2024 ضم ممثلين عن وزارة الاستثمار ومصلحة الجمارك، لمناقشة كيفية توحيد الإجراءات الجمركية ورفع مستوى الرقابة على عمليات استيراد وتصدير السيارات.
ما يدعو للدهشة أن هذه الإجراءات لا تكاد تذكر بخصوص محاربة التلاعب في أرقام الشاسيه أو الكشف عن المشاكل الفنية التي تظهر عند الترخيص، وهو ما يثير تساؤلات حول السبب في استمرار السماح بمرور سيارات مليئة بالعيوب والمشاكل التي تهدد سلامة المواطنين.
في كتاب آخر أرسل في فبراير 2024، تم الإفراج عن بعض السيارات المستعملة دون عرضها على المرور تحت نظام المغتربين والمالك الأول، وهذا ما جعل ترخيص هذه السيارات مستحيلاً لاحقًا عندما تم اكتشاف مشاكل في أرقام الشاسيه.
هذا الإجراء الفوضوي يعكس تقاعسًا مروعًا من الحكومة في مراقبة عملية استيراد السيارات، مما يعرض السوق المصري لمزيد من الفساد والمشاكل الفنية.
يوم 4 نوفمبر 2024، جاءت مصلحة الجمارك المصرية لتؤكد أنه سيتم تطبيق القرار المرسل في كتاب العسقلاني رقم 1637، والذي ينص على ضرورة عرض السيارات المستعملة على المرور للتحقق من وجود مشاكل فنية أو تلاعب في أرقام الشاسيه فقط في حال كان هناك أسباب جدية للاشتباه.
وهذا القرار، بدوره، يثير الكثير من علامات الاستفهام حول مدى جديّة الحكومة في التعامل مع قضايا الفساد في استيراد السيارات.
إذن، ما الذي يحدث بالفعل في دوائر الحكومة المصرية؟ لماذا يتم اتخاذ إجراءات شكلية لا تتعدى حدود التصريحات دون خطوات فعلية للحد من هذا الفساد؟ ومن يتحمل مسؤولية هذه الفوضى في الرقابة الجمركية على السيارات المستعملة؟
من خلال الاطلاع على منشور الاستيراد رقم 42 لسنة 2024، يتبين أن القرار تم بناءً على القانون رقم 118 لسنة 1975 ولائحته التنفيذية الصادرة بموجب القرار الوزاري رقم 770 لسنة 2005، وهو ما يدفع إلى التساؤل: هل هذه القوانين فعلاً تضمن رقابة حقيقية على استيراد السيارات؟ أم أنها مجرد ستار يستخدمه المسؤولون لإخفاء تقاعسهم وعدم قدرتهم على تطبيق القوانين بشكل جاد؟
إجراءات الحكومة الأخيرة جاءت بعد سلسلة من المناقشات والاجتماعات التي نظمتها اللجنة المشتركة للتنسيق بين وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية ومصلحة الجمارك، لكن النتائج على أرض الواقع لا توازي حجم هذه الاجتماعات الرسمية.
ففي 17 أكتوبر 2024، تم التباحث في كيفية توحيد القواعد والإجراءات المتعلقة بالاستيراد والتصدير، لكن لم يتم اتخاذ قرارات ملموسة تضمن مكافحة التلاعب أو معالجة القضايا الفنية المتعلقة بالسيارات المستعملة التي تدخل السوق المصري.
لا يمكن إلا أن نرى في هذه الإجراءات الجديدة، التي فرضتها الحكومة في عام 2024، مجرد حلول سطحية ترسخ الفساد ولا تساهم في حل المشاكل التي يعاني منها سوق السيارات المستعملة في مصر.
والأخطر من ذلك أن هذه الإجراءات لم تحدد آليات صارمة للحد من التلاعب في أرقام الشاسيه، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام تجار السيارات لاختراق القوانين بسهولة، ما يزيد من حجم الكارثة.
هذه الفضيحة ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي نتيجة لتراكم سنوات من الإهمال والتقصير، حيث فشلت الحكومة في تأمين رقابة فعالة على استيراد السيارات وواجهت واقعًا مريرًا من الفساد الذي يتغلغل في أجهزتها الرسمية.
لا يُخفى على أحد أن هذه السياسات المتراخية تمنح الضوء الأخضر لعدد كبير من الفاسدين والمستفيدين من تلاعبات الجمارك، بينما يظل المواطن المصري هو الضحية الوحيدة في هذا المأزق الكارثي.
إن السؤال الأكبر الذي يجب أن يطرح نفسه الآن هو: هل ستستمر الحكومة في إهمال مسؤولياتها تجاه حماية المواطن المصري من هذه الفوضى الاقتصادية؟
أم أن هناك نية حقيقية لاتخاذ إجراءات حاسمة تعيد النظام إلى سوق السيارات وتضمن محاربة الفساد الذي ينخر في قلب القطاع؟ الوقت هو الحكم الوحيد، لكن إذا استمرت هذه الإجراءات في هذا الاتجاه، فالأمور قد تزداد سوءًا.