عودة ترامب للبيت الأبيض: تحول جذري في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية؟
أكد مراقبون أن عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ستشكل تحوّلًا كبيرًا في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، خاصةً بشأن القضية الفلسطينية.
فقد شهدت فترة ولاية الأولى (2016-2020) دعمًا غير مسبوق للكيان الإسرائيلي، تجسد في خطوات واضحة مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، بالإضافة إلى تبني سياسة تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية.
صفقة جديدة
يرى الباحث الفلسطيني علي إبراهيم أن “إحدى الاستراتيجيات التي اعتمدها ترامب خلال حملته الانتخابية تمثلت في تأكيده المتكرر على أن الولايات المتحدة في عهده لن تكون سببًا في إشعال الحروب، بل ستسعى إلى إطفائها، وهو ما يعكس تركيزه على تبني سياسة خارجية تهدف إلى إنهاء الصراعات القائمة، مع التأكيد على عدم خوض الولايات المتحدة أي حروب مباشرة جديدة”.
وأوضح في أنه “رغم دعواته المتكررة لإنهاء الحرب في غزة بانتصار إسرائيل، وكذلك للحفاظ على وحدة لبنان وسيادته، إلا أن سجل سياساته يُظهر أنه لم يكن محايدًا؛ فهو من اعترف بالقدس عاصمة للاحتلال، وسيادة إسرائيل على الجولان، وفرض الحصار على ’’الأونروا‘‘ لتعزيز الضغط على الفلسطينيين”.
ويتوقع إبراهيم أن “ترامب سيكون أمامه جملة من القضايا بالغة الحساسية في المنطقة، خاصة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تحاول أن ترسخ الاستيطان في قطاع غزة، وفي جنوب لبنان كأمرٍ واقع وقادم”.
وتابع: “رغم أن ترامب يدعو لعدم استنزاف موارد بلاده، إلا أنه لا يتردد في دعم إسرائيل لتحقيق انتصارات تحقق لها مكاسب استراتيجية”.
من جانب آخر، يرجح إبراهيم أن “سعي ترامب لعقد صفقة جديدة مع إسرائيل، تتيح لها التوسع في الضفة الغربية مقابل وقف العدوان على غزة، مع استمرار فرض الحصار والقيود على المقاومة لئلا تستطيع استعادة قدراتها على المواجهة بالتزامن مع تنفيذ الإدارة المشتركة للقطاع، وهو ما يعني إرضاء رغبات التيارات الداعية للاستيطان وتحقيق أحلام ’’إسرائيل الكبرى‘‘”.
وأشار إلى أنه “في إطار سعي ترامب لتلبية مطالب إسرائيل، لا يُتوقع أن يُعير اهتمامًا كبيرًا لدور السلطة الفلسطينية في غزة، خاصةً بعد العلاقات المتوترة معها خلال ولايته الأولى. كما أن الحلول التي يقترحها تمس وجود السلطة الفلسطينية على نحو مباشر، وتقلص ما تبقى لها من تأثير في الضفة الغربية”.
وبين أن “العديد من المقربين من فريق ترامب يرون أن إدخال السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع غير مجدٍ، إذ إنها غير قادرة على إدارته بكفاءة، فضلاً عن عجزها عن كبح المقاومة واستعادة قوتها”.
وأضاف، أنه “استمرارًا لمنهج ترامب في تشجيع اتفاقيات التطبيع التي أطلقها في ولايته الأولى، من المتوقع أن يعيد إحياء هذه الاتفاقيات، ويسعى لجذب دول جديدة للانضمام إليها، في إطار صفقة تطبيع تطرح وقف العدوان مقابل فتح المجالات الإنسانية. وعودة تفعيل حالة التقبل العربي القسري للاحتلال، عبر جملة من الخطوات ضمن اتفاقيات ’’أبراهام‘‘”.
أما بالنسبة للبنان، فيتوقع إبراهيم أن “تلجأ إدارة ترامب إلى منح إسرائيل مساحة أكبر لضرب “حزب الله” وتقليص قدراته، مما قد يؤدي إلى فرض قرار 1701 كأمرٍ واقع، في سياق سياسة “تقليم الأظافر” التي تسعى إلى إضعاف المقاومة اللبنانية”.
وحول “حل الدولتين”، يرى إبراهيم أن “سياسات ترامب السابقة دمرت أسس هذا الحل فهو من جهة قضى على أي إمكانية ليكون الشطر الشرقي للقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، عبر اعترافه بسيادة الاحتلال على شطري القدس، واعترافه بأنها عاصمة الاحتلال، إلى جانب حجم الوجود الفلسطيني التي أشارت إليه مخططات “أبراهام” ما يعني أن أي اتصال جغرافي فلسطيني لم يعد ممكنًا، وليس الحديث عن الضفة الغربية وقطاع غزة، بل عن الضفة، التي رسختها هذه الاتفاقيات جزرًا متقطعة الأوصال، ولا ارتباط فيما بينها من دون الاحتلال وحواجزه وسيطرته”.
وأكد أن “ترمب لن يحمل أي جديد في هذا الباب، بل ستكون الحلول التي يُمكن أن يطرحها لإنهاء العدوان على غزة، وفرض انتصار دولة الاحتلال جزءًا من إنهاء هذا الحلّ، بل المضي قدمًا في سيطرة الاحتلال شبه الكاملة على الضفة الغربية في سياق الجائزة التي ستقدمها الإدارة الأمريكية لنتنياهو وحكومته”.
وأضاف أنه “على الرغم من هذه التوقعات، إلا أن شخصية ترامب وطريقة تفكيره تجعل الاحتمالات مفتوحة، ولكنه بكل تأكيد لن يخرج عن دائرة الدعم المطلق لدولة الاحتلال، فهو بالتعبير الإسرائيلي “قورش” العصر الحالي”.
التزام بأمن “إسرائيل”
من جهته، قال الناشط السياسي الكويتي حبيب بوشهري، إنه “منذ نشأة الكيان الصهيوني قبل 76 عاماً وإلى اليوم، فإن جميع الحكومات الأمريكية المتعاقبة ملتزمة بأمن الكيان الصهيوني ودعمه كونه الحليف الإستراتيجي الأول للولايات المتحدة الأمريكية”.
وأضاف في حديث مع “قدس برس”، أن “كل رئيس أمريكي يؤكد التزامه بأمن إسرائيل، وهو التزام غير مرتبط بالحزب الحاكم، إذ لم يتأثر الدعم السياسي الأمريكي للكيان الصهيوني حتى في أوقات التوتر بين بايدن ونتنياهو مؤخرًا”.
وأشار إلى أن “حماية إسرائيل تعدّ جزءًا ثابتًا من الاستراتيجية الأمريكية، فالولايات المتحدة من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل، وتواصل دعمها عبر وسائل متعددة تشمل الدعم العسكري والاقتصادي، إلى جانب مساندة سياسية تسعى لعرقلة صدور قرارات دولية تدين الإرهاب الصهيوني”.
وأوضح بوشهري أن “الأولويات الأمريكية في المنطقة لن تتغير، إذ تواصل واشنطن الاستفادة من الدور الوظيفي الذي يقوم به الكيان لخدمة مصالحها وأطماعها الاستراتيجية”.
وبيّن أن “ترامب، يعدّ عراب مشروع صفقة القرن وحل الدولتين”، مشيرًا إلى أن “أول المهنئين بفوزه في الانتخابات كان الإرهابي بنيامين نتنياهو، وهو ما يعكس مدى توافق سياسته مع المزاج الصهيوني”.
وأكد في ختام حديثه أن “مشروع حل الدولتين، الذي يُعتبر مجحفًا بحق الشعب الفلسطيني، يواجهه خيار دعم نهج المقاومة باعتباره السلاح الأنجع لاستعادة الحقوق الفلسطينية ورفض الحلول التي لا تلبي مطالبهم المشروعة”.