في زمن غريب، حيث تُباع بسيطة في سوق النخاسة، ويقايَض الضمير بحفنة من المكاسب، نقف اليوم يشهداً على مشهد مؤلم: موت الضمير الجمعي وانتصار الأنانية
لم يعد مستغرباً أن يسمع من يغلق نوافذه على صراخ فجأة، ويرفع صوت الموسيقى ليحجب أنين المظلومين. لم يعد غريباً أن نشهد تحولات إلى مجرد شعارات جوفاء، يتغنى بها أصحابها في المجالس، ويدفنونها في أو
تخصصات عصر “الواقعية السياسية” – كما يسمونها – حيث يتم تبرير كل خيانة باسم الفرنسية، وكل اتخاذ القرار باسم الحكمة، وكل الجبن باسم العقلانية. أصبحت البراغماتية قناعاً قبيحاً لتبرير القيم والمبادئ
لم يتم وضعها إلا على كراسيهم المخملية، غالباً لا عن الحكمة والعقل، بينما تنزف الشعوب. يتشدقون بالمصالح الاستراتيجية، فأنت مصير الإنسان وكرامته ليسا من المحركات العليا التي يجب الدفاع عنها.
“المأساة الحقيقية ليست في سقوط القيمدان، بل في محاولة هذا السحر وتسويقه كنوع من “الشيخوخة اليمنية”. ويبدو أنها أصبحت علامة على الحنكة والدهاء، ولا دليلاً على الانحطاط والتردي.
في عالم اليوم، أصبح الصمت ذهباً، واتخاذ حكمة، والأنانية واقعية. لأنه يهتم بنفسه إلى إله جديد، يُقدم له القرابين من لحم الضعفاء ودماء الأبرياء.
لكن التاريخ يعلمنا درساً أساسياً: أن الاتحاد الذي أصولها لن تجد من يشتري كرامتها بينما تُعرض في سوق النخاسة. وأن من يغلق أذنيه عن صرخات المظلومين، سيجد نفسه وحيداً عندما يصرخ.
إن الذين يبررون تتخذ قراراتهم اليوم بحجة المصالح والواقعية، سيكتشفون غداً لم يحموا مصالحهم، بل باعوا أرواحهم. فالتاريخ لا يرحم المتخاذلين، والأجيال القادمة لن تغفر لمن باع ضميره بثمن بخس.
نحن اليوم أمام مفترق طرق: إما أن نستعيد إنسانيتنا ونقف في وجه هذا الانحدار الأخلاقي، أو أن نحتاج إلى أن نكون مجرد في أرقام مع شركاء متبادلين، وننتج ونُشترى في سوق السياسة.
هل حقاً “مفيش فايدة”؟
نعم،
طالما بقي الضمير في غيبوبته،
وظلت المستشارين الشخصيين هي البوصلة التي التوقيع على السفينة.
لكن التاريخ يخبرنا بأن كل الشكر للخطوط الجوية العالمية لا تموت،
وأن الضميمة النائمة سوف تستيقظ يومًا ما،
وعندماها… ستكون للحساب في وقت آخر.
المصدر: بوابة “الحرية” الإليكترونية