في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من أزمة طاحنة وتراجع حاد في مستويات المعيشة، كشفت مصادر مصرفية عن مفاوضات سرية تجريها الحكومة المصرية لبيع حصتها المتبقية في بنك الإسكندرية لمجموعة “إنتيسا سان باولو” الإيطالية، وهي الصفقة التي تضاف إلى سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى بيع أصول الدولة وتنفيذ سياسة خصخصة مشبوهة.
الحكومة، التي تزعم أنها تعمل لصالح الشعب، تقيم صفقة غير شفافة دون النظر إلى عواقبها السلبية على الاقتصاد الوطني، مستمرة في تنفيذ مخططاتها التي ترهن مستقبل البلاد لجهات أجنبية في ظل غياب رقابة فعلية.
يأتي هذا الإعلان في وقت تتزايد فيه الأزمات المالية والاجتماعية في مصر، فيما تتشدق الحكومة بتصريحات عن تنفيذ إصلاحات اقتصادية تديرها بشكل مشبوه مع مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي.
حيث يشير الخبراء إلى أن هذا الاتفاق يندرج ضمن برنامج الطروحات الذي يتابعه الصندوق، والذي يتطلب من الحكومة الالتزام ببيع ما تبقى من أصول الدولة بشكل تدريجي.
صفقة بيع الحصة المتبقية من بنك الإسكندرية، التي تبلغ 20%، تطرح العديد من التساؤلات حول الحكمة في ترك مجال البنوك الوطنية في يد المستثمرين الأجانب.
حكومة تبيع الأصول في صفقات مشبوهة
وفقًا للمصادر المصرفية، تمتلك مجموعة “إنتيسا سان باولو” الإيطالية بالفعل 80% من بنك الإسكندرية، وهو ما يعني أنها ستصبح المالك الوحيد للبنك بعد هذه الصفقة.
الحصة المتبقية التي تعتزم الحكومة بيعها، والبالغة 20%، ستمنح الشركة الإيطالية السيطرة التامة على واحد من أعرق البنوك في مصر، في وقت يعاني فيه القطاع المصرفي من ضغط كبير نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة.
إذًا، ما الذي تقدمه الحكومة للمواطن المصري مقابل هذه التنازلات؟ لا شيء على الإطلاق. الحكومة تتحدث عن “الطروحات” و”الإصلاحات الاقتصادية”
كما لو كانت هذه العبارات هي الحل السحري لإنقاذ البلاد، ولكن الحقيقة أن هذه السياسات تقود إلى بيع مقدرات البلد لأجانب في صفقة غير عادلة.
برنامج الطروحات… قفزات غير مضمونة نحو الخراب
الحكومة، تحت إشراف صندوق النقد الدولي، قامت بإعداد قائمة أولية تضم 32 شركة من القطاع العام تخطط لطرحها في البورصة أمام المستثمرين المحليين والدوليين.
هذه الشركات تشمل البنوك، الطاقة، والعقارات، ومن بينها بنك الإسكندرية. الحكومة تأمل في جمع مبلغ يتراوح بين ملياري دولار و2.5 مليار دولار من بيع الأصول حتى نهاية السنة المالية الحالية، أي بحلول يونيو 2025.
إلا أن المثير للدهشة هو أن هذه الأرقام تستند إلى تخمينات، في حين أن تأثير هذه الصفقات على المواطن المصري في الحياة اليومية هو ما يجب أن يشغل الحكومة أكثر من أي شيء آخر.
الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الذي يتولى الإشراف على البرنامج المزعوم، يظهر في مشهد يفتقر إلى أي حس بالمسؤولية تجاه ملايين المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر.
وهو في اجتماع حكومي في العاصمة الإدارية الجديدة، يعلن عن الاستمرار في تنفيذ برنامج الطروحات، مع إصرار على أن هذا التوجه هو “أساسي للدولة”.
الحكومة، في رأي مدبولي، لا تركز على تحسين حياة الناس، بل تعمل على بيع الأصول الوطنية عبر صفقات لا تتسم بالشفافية، لتسلم مقاليد الاقتصاد لمؤسسات دولية مشبوهة.
تأكيد الحكومة على خطط بيع الأصول .. تدمير للاقتصاد الوطني
في تصريحه، أكد الدكتور مصطفى مدبولي على أن الحكومة ماضية في تنفيذ خططها المعلنة، مستعرضًا الإصلاحات التي استهدفت قطاعات مهمة مثل الصناعة والزراعة والاتصالات.
وفقًا لتلك التصريحات، الهدف هو “زيادة معدلات التصدير” التي ستساهم في “زيادة تدفقات الموارد الدولارية”، لكن هذه الوعود لا تجد لها أثرًا في الواقع.
حيث يعاني المصريون من قلة فرص العمل، وتزايد أعداد الفقراء، وتفشي البطالة. كما أن التصدير الذي يتحدث عنه مدبولي لن ينعكس على تحسين حياة المواطن، بقدر ما سيعزز سيطرة الشركات الأجنبية على الأسواق المحلية.
ما يغفله مدبولي تمامًا هو أن المساهمة الفعلية للقطاع الخاص في الاقتصاد لن تأتي إلا عبر استثمار حقيقي في البنية التحتية المحلية ودعم الصناعات الوطنية، لا عبر بيع الشركات ذات التاريخ الطويل والنفوذ الكبير.
التعاون مع مؤسسات دولية .. هل هو لخدمة المواطن؟
إن مؤسسة التمويل الدولية، التي تعتبر المستشار الإستراتيجي للحكومة فيما يتعلق ببرنامج الطروحات، تتدخل في هيكلة الشركات المستهدفة لبيعها، بهدف تحسين الحوكمة وجذب الاستثمارات.
ولكن في الواقع، هل هذه الإجراءات فعلاً ستساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني؟ أم أنها مجرد حيلة أخرى لإعطاء المشروعية لصفقات غير شفافة تهدف إلى تمويل ديون الدولة؟
في ظل هذه الأوضاع، يبدو أن الحوكمة التي يتحدثون عنها لا تهدف سوى إلى تسهيل عمليات بيع الأصول الوطنية، مما يفتح الباب على مصراعيه لتمويل مشاريع لا تخدم سوى الشركات الأجنبية.
صفقات كارثية ضد المواطن المصري
لا يمكن للمواطن المصري أن يبقى مكتوف اليدين أمام هذه الصفقات التي تكاد تبيع مستقبل بلاده على طبق من ذهب لشركات ومؤسسات دولية، بينما تعاني الطبقات الفقيرة من موجات الغلاء والفقر.
وفي الوقت الذي تواصل فيه الحكومة تنفيذ خططها الخبيثة عبر بيع الأصول الوطنية، تغيب عن الأفق أي حلول حقيقية للمشاكل الاقتصادية المتزايدة.
وبدلاً من أن تركز على دعم الاقتصاد الوطني، تسعى الحكومة إلى رفع يدها عن المسؤولية، تاركة إياها في يد قوى خارجية، في إطار سعيها المحموم وراء أموال سريعة قد تزيد من معاناة الشعب المصري بدلاً من أن تخفف منها.