في تصريحات جديدة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، دعا المواطنين إلى عدم الانسياق وراء الشائعات التي تروجها بعض الأطراف حسب قوله، معتبراً أن تلك الشائعات تصدر مناخاً سلبياً يخفى على المواطنين “الإنجازات العظيمة” التي تحققها الحكومة.
لكن ما يراه مدبولي “إنجازات” يصطدم بالواقع المرير الذي يعيشه الشعب المصري في ظل تزايد الأسعار وتفاقم الأزمات الاقتصادية.
وتستمر الحكومة في إصدار التصريحات المطمئنة بينما تزيد الأعباء المالية على المواطنين الذين أصبحوا يرزحون تحت وطأة غلاء المعيشة، في حين يبدو أن الحكومة المصرية لا تكترث للأزمات المتفاقمة التي تلاحق المواطن المصري بشكل يومي.
مدبولي، الذي يروج دوماً لسياسات الحكومة في محاربة التضخم وتحقيق الإنجازات، خرج في لقائه الصحفي الأسبوعي بعد اجتماع حكومته ليؤكد أن هناك توجيهات رئاسية بعدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تزيد من أعباء المواطنين.
ولكن هل هذه التوجيهات الرئاسية مجرد كلام إعلامي لتخفيف الضغط على الحكومة؟ الحقيقة أن الأرقام تشير إلى عكس ذلك تماماً، حيث يستمر الغلاء في مختلف القطاعات، وتستمر حكومة مدبولي في رفع أسعار العديد من الخدمات والسلع الأساسية بشكل غير مبرر.
فعلى سبيل المثال، شهدت أسعار الغاز الطبيعي زيادة فورية بنسبة 25٪، وهو ما يعتبر عبئاً إضافياً على المواطنين الذين يعانون بالفعل من ضعف الدخول وانخفاض مستوى المعيشة. كما أنه من غير المفهوم كيف يمكن للحكومة أن تدعي أن المواطن هو الأولوية، بينما تشهد أسعار المواد الأساسية مثل الغاز الطبيعي قفزات غير مبررة، ما ينعكس بشكل مباشر على كل أسرة مصرية.
أما في قطاع السياحة، فقد فاجأت الحكومة المواطنين بزيادة فادحة بنسبة 25٪ على أسعار تذاكر دخول المناطق الأثرية والسياحية، في الوقت الذي من المفترض أن يتم فيه الترويج لمصر كوجهة سياحية عالمية، ومن المفارقات أن هذه الزيادة المفرطة تأتي في وقت يعاني فيه القطاع السياحي من ركود واضح نتيجة الأزمة الاقتصادية المستمرة، حيث أضحت مصر غير قادرة على جذب السياح بسبب تلك الزيادات المجحفة التي أثقلت كاهل المواطن والمستثمر على حد سواء.
أيضاً، أشار مدبولي إلى الزيادة الأخيرة في أسعار النقل، حيث تم تحميل المواطن عبئاً جديداً تمثل في زيادة أسعار الحافلات المملوكة للشركات الخاصة بنسبة 15٪. وعلى الرغم من التبريرات الحكومية بأن هذه الزيادة ضرورية بسبب ارتفاع تكلفة الوقود، فإن الواقع يثبت أن هذه الزيادات لا تحمل أي مبرر حقيقي سوى أن الحكومة قد قررت ببساطة تحميل الشعب المصري المزيد من الأعباء المالية، في الوقت الذي لا تقوم فيه بتقديم أي حلول حقيقية للتخفيف عن المواطن الذي يرزح تحت ضغط الارتفاع المستمر للأسعار.
هذه الزيادات التي تشهدها مختلف القطاعات تواكب تصريحات مدبولي السابقة عن قرار الحكومة برفع دعم الوقود بشكل تدريجي حتى يتم إلغاء الدعم تماماً مع نهاية عام 2025، وهو ما يعني أن المواطن المصري في المستقبل القريب سيواجه مزيداً من الأعباء المالية الضخمة التي ستقضي على قدرته الشرائية، بينما تستمر الحكومة في إلقاء المسؤولية على الظروف الخارجية، مع تجاهل تام للأسباب الداخلية التي أسهمت في تفاقم الوضع الاقتصادي.
ولكن هل هذا هو الحل؟ هل رفع الأسعار وتطبيق هذه الزيادات بشكل مستمر هي الإجراءات التي ستؤدي إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية؟ الحقيقة أن الأرقام والواقع يشيران إلى عكس ذلك تماماً، حيث أن الشعب المصري أصبح يواجه تحديات اقتصادية متزايدة، وسط تراجع ملحوظ في مستويات الأجور وارتفاع معدلات الفقر، بينما الحكومة تواصل سياسة الرفع التدريجي للأسعار التي تثقل كاهل المواطنين.
ومع تزايد هذه الأزمات، لا تزال الحكومة في حالة إنكار. تصريحات مصطفى مدبولي وتحذيراته للمواطنين من الانسياق وراء الشائعات لا تعدو أن تكون محاولات لذر الرماد في العيون، بينما المواطنون يشعرون بالضيق المتزايد نتيجة لأزمة اقتصادية خانقة. لا شك أن زيادة الأسعار بشكل مستمر دون تقديم حلول واقعية وفعالة ستؤدي في النهاية إلى انهيار القدرة الشرائية للمواطنين.
ليس من المبالغة القول إن الحكومة قد فشلت في الوفاء بوعودها التي أطلقتها، وها نحن نرى كل يوم ارتفاعاً في الأسعار، والناس يعانون بشكل غير مسبوق. ورغم كل هذه المعاناة، تبدو الحكومة عاجزة عن اتخاذ خطوات حقيقية لتحسين الوضع الاقتصادي. إذا كانت هذه هي “الإنجازات” التي يتحدث عنها مدبولي، فلا يمكن للشعب المصري أن يتحمل مزيداً من الوعود الجوفاء التي لا تجد طريقها إلى الواقع.
فإن حكومة مصطفى مدبولي تتعامل مع أزمة اقتصادية حادة بتجاهل تام لمشاكل المواطن المصري، بينما تواصل فرض المزيد من الأعباء على الشعب من خلال زيادات متواصلة في الأسعار والرسوم. الفجوة بين الواقع والتصريحات الحكومية تتسع يوماً بعد يوم، وتبقى الأسئلة: هل سيستمر الشعب المصري في تحمل هذه الأعباء؟ وهل سيحدث تغيير حقيقي أم أن الحكومة ستظل في موقف المتفرج بينما يغرق المواطن في دوامة من الأزمات الاقتصادية؟