حرب غزة تدخل يومها الـ 398 .. استنزاف دموي وحسابات السياسة المدمرة
تتواصل الأزمات وتتعاظم الكوارث في قطاع غزة مع دخول الحرب يومها الـ398 وسط استمرار الغارات الإسرائيلية على مختلف أنحاء القطاع الصغير المحاصر الذي يرزح تحت وطأة الدمار والشهادة والمقاومة بلا هوادة إن معادلة الدم والنار التي فرضتها إسرائيل منذ بداية هذا النزاع في 7 أكتوبر 2023 قد أسفرت عن ارتفاع مرعب في أعداد الضحايا
حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أن حصيلة العدوان قد بلغت 43391 شهيدًا بالإضافة إلى أكثر من 102347 إصابة إصابات تتراوح بين الجراح الطفيفة والعاهات المستدامة، في ظل نقص مريع في الموارد الطبية والإنسانية الأمر الذي يعمق من حدة الأزمة الإنسانية المتفاقمة
في مشهد بات يتكرر كل يوم في غزة تسقط القذائف الإسرائيلية دون تمييز على الأحياء السكنية والطرقات والمستشفيات والمراكز الصحية وتلك الاستهدافات التي تمزق نسيج المجتمع الفلسطيني بأسره تأتي في إطار سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها إسرائيل والتي لا تفرق بين المقاوم والمدني في سياسة تصفية جسدية وجماعية لقطاع بأكمله في المقابل تستمر المقاومة الفلسطينية في الدفاع بشتى الوسائل رغم الحصار الخانق والظروف المعيشية القاسية لتجد نفسها أمام عدو يستخدم آلة الحرب الثقيلة والتكنولوجيا المتقدمة في مواجهة غير متكافئة
المشهد الدموي اليومي الذي يعصف بغزة يقابله في إسرائيل تصعيد داخلي غير مسبوق فبينما يتواصل القصف والدمار في القطاع اجتمع آلاف الإسرائيليين في مظاهرات عارمة أمام مبنى “الكنيست” في القدس المحتلة مساء الأربعاء احتجاجًا على القرارات الحكومية الأخيرة التي أشعلت نيران الخلافات السياسية داخل إسرائيل هذه المظاهرات التي تخللتها اشتباكات مع قوات الأمن الإسرائيلية تندد بإقالة وزير الدفاع السابق يوآف جالانت الذي دفع ثمن معارضته لاستمرار الحرب المفتوحة على غزة والتي يدرك كثيرون داخل إسرائيل وخارجها أنها تستنزف مقدرات الدولة دون تحقيق نصر حاسم
ما يجعل الوضع أكثر تأزما هو أن هذا النزاع الداخلي في إسرائيل لا يقتصر فقط على إقالة جالانت بل يعكس حالة التخبط السياسي العميق التي يعيشها بنيامين نتنياهو وحكومته حيث يتهم المعارضون رئيس الوزراء بالسعي لتعزيز قبضته على السلطة بإقالة الأصوات المعارضة من داخل حكومته وبإعطاء الضوء الأخضر لمزيد من التصعيد العسكري في غزة على حساب أي أفق للحل السياسي وفي هذا السياق جاء تعيين يسرائيل كاتس بديلًا لجالانت في منصب وزير الدفاع خطوة أخرى تزيد من تعقيد المشهد حيث يُعرف كاتس بتشدده تجاه المقاومة الفلسطينية ودعواته لعدم التراجع أمام ما يسميه التهديد الأمني المستمر الذي تمثله غزة بالنسبة لإسرائيل
على الجانب الآخر من الحدود تتعمق الأزمة الإنسانية في غزة مع مرور كل يوم من هذه الحرب الطويلة التي لا يبدو أن لها نهاية في الأفق إذ أن القطاع المحاصر يعاني من انقطاع شبه كامل في التيار الكهربائي ونقص حاد في المياه الصالحة للشرب والغذاء والدواء وتضييق الخناق على المساعدات الإنسانية التي تصل إلى القطاع وسط تحذيرات منظمات حقوق الإنسان الدولية من أن الأوضاع في غزة قد تصل إلى حد الكارثة الإنسانية الكبرى في حال استمر الوضع على ما هو عليه
وعلى الرغم من دعوات التهدئة الدولية المتكررة إلا أن آلة الحرب الإسرائيلية لا تزال تعمل بكامل طاقتها مسنودةً من قِبل تحالفات سياسية واقتصادية دولية لا تقيم وزنًا للقانون الدولي أو حقوق الإنسان لتتفاقم بذلك معاناة سكان غزة الذين يدفعون ثمنًا باهظًا لصراع معقد سياسيا وعسكريا وإنسانيا
في هذا السياق يجب التأكيد على أن الحرب الدائرة في غزة لا يمكن اختزالها فقط في أرقام الضحايا أو الغارات الجوية المتواصلة بل يجب النظر إلى الصورة الأكبر التي تكشف عن جذور الأزمة الحقيقية المتمثلة في الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية وغياب العدالة الدولية في التعامل مع هذا النزاع الذي تتداخل فيه الحسابات السياسية الداخلية والخارجية على حساب الأرواح البريئة التي تُزهق كل يوم
وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية تراهن على سياسة الردع والقوة العسكرية فإن الوقائع على الأرض تؤكد أن الحل العسكري لن يحقق لإسرائيل الأمن أو الاستقرار بل سيزيد من عمق الهوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وسيؤجج مشاعر الكراهية والرغبة في الانتقام لدى الأجيال الفلسطينية الجديدة التي ترى كل يوم بيوتًا تهدم وعائلات تشرّد وأحباء يُقتلون في مشهد لا يبعث إلا على الحزن والغضب
ومع مرور الوقت تتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف هذا النزاع الذي تجاوز حدود المنطق والتبرير إذ بدأت بعض الدول التي كانت داعمة لإسرائيل تعيد النظر في موقفها نتيجة الفضائح المستمرة حول الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في غزة والقمع الممنهج ضد الفلسطينيين في كل مكان بما في ذلك الضفة الغربية والقدس المحتلة ومع ذلك فإن الدعم اللامحدود من قبل بعض القوى الكبرى لإسرائيل يستمر في إطالة أمد هذا الصراع وإغراق المنطقة في دوامة من العنف والتدمير المتبادل
في ظل هذا المشهد المأساوي لم يعد بإمكان المجتمع الدولي الوقوف مكتوف الأيدي أمام هذه المجازر اليومية التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني ولم يعد مقبولاً أن تستمر إسرائيل في تجاهل القانون الدولي والإصرار على سياسة القوة المفرطة التي لا تأتي إلا بالمزيد من العنف والفوضى
إن حرب غزة التي تدخل يومها الـ398 بكل ما تحمله من دمار وألم وعذابات تثبت يوما بعد يوم أن الحلول العسكرية لن تكون أبدا مدخلا للسلام والاستقرار بل إن الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق الدموي هو وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني والعودة إلى طاولة المفاوضات بحلول عادلة تُنهي هذا الصراع وتضمن للفلسطينيين حقهم المشروع في الحياة الكريمة