تقارير

ترامب بين مطرقة الإدانة وسندان الرئاسة: مأزق جنائي غير مسبوق في تاريخ أميركا

دونالد ترامب لم يكن فقط أول رئيس أميركي سابق يواجه إدانة جنائية، بل بعد فوزه المحتمل في انتخابات 2024، سيضيف إلى تاريخه المثير للجدل كونه أول رئيس ينتخب رغم تورطه في قضايا جنائية.

هذا التطور غير المسبوق في السياسة الأميركية يطرح تساؤلات خطيرة حول موقفه القانوني الحالي ومدى تأثيره على مستقبل الرئاسة الأميركية واستقرار النظام السياسي في البلاد. في هذا التقرير، نستعرض بالتفصيل الموقف الجنائي لترامب والتداعيات القانونية المحتملة في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة

أول الاتهامات التي واجهها ترامب كانت في مارس الماضي عندما فاز بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية. واجه حينها اتهامات جنائية في أربع قضايا منفصلة كانت القضية الأولى قد أدين فيها على مستوى ولاية نيويورك بتهمة تزوير السجلات التجارية حيث اتهم بدفع أموال لممثلة أفلام إباحية لشراء صمتها بشأن علاقة جنسية مزعومة.

الحكم في هذه القضية تم تعليقه حاليا بقرار من المحكمة العليا التي تبحث في مسألة الحصانة الرئاسية ومن المقرر أن يتم النطق بالحكم يوم 26 نوفمبر الجاري، بعد تأجيله لما بعد الانتخابات ما يضع البلاد في وضعية انتظار مشحونة بالتوتر والغموض

من جانب آخر، يواجه ترامب ملاحقات قضائية في قضايا أخرى قد تكون أكثر تعقيدا. وزارة العدل الأميركية أقامت دعوى ضده بتهمة التآمر لإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، بالإضافة إلى قضية أخرى في ولاية جورجيا، تتعلق أيضا بمحاولات تعطيل العملية الديمقراطية. وعلى الرغم من خطورة هذه القضايا فإن بعض التساؤلات بدأت تطفو على السطح بشأن مدى جدواها القانونية بعد حكم المحكمة العليا الذي قضى بأن الرؤساء السابقين لهم الحق في الحصانة المطلقة عن أي إجراءات تمت ضمن إطار صلاحياتهم الدستورية، لكنها استثنت الإجراءات التي اتخذوها بصفتهم الشخصية

القضية الرابعة التي تمثل تحديا إضافيا لترامب تتعلق بمزاعم سوء التعامل مع وثائق سرية. كانت هذه القضية قد رفضتها قاضية فيدرالية في 15 يوليو الماضي، ولكن وزارة العدل لم تستسلم وقررت استئناف الحكم. هذا الصراع القانوني يعكس صعوبة الموقف الذي يجد ترامب نفسه فيه في ظل استمرار التحقيقات وتعقيدات الإجراءات القانونية

مصير هذه القضايا ليس واضحا حتى الآن، فالمحكمة العليا ستقرر في منتصف نوفمبر ما إذا كانت قضية شراء الصمت التي أدين فيها ترامب في نيويورك ستستمر أم سيتم إسقاطها استنادا إلى حصانته الرئاسية. وفي حال إصدار حكم بالإدانة قد يواجه ترامب عقوبات تشمل السجن أو تخفيف العقوبة إلى الحبس المنزلي أو الخدمة المجتمعية أو الغرامة. لكن حتى إذا صدر حكم بالإدانة فإن فريق الدفاع قد يحاول الطعن على أساس أن الرئيس المنتخب لا يمكن أن يُنفذ ضده حكم قضائي قبل تنصيبه

فيما يخص قضية جورجيا، فقد أصبحت أكثر تعقيدا بعدما تم الكشف عن علاقة غرامية للمدعية العامة التي كانت تقود القضية، مما أثار الشكوك حول مصداقية التحقيق. وقد يتم إسقاط القضية إذا لم يتم تعيين مدع عام آخر بحلول العام المقبل. هذا التأخير والجدل المحيط بالتحقيقات يجعل من الصعب التنبؤ بمصير هذه القضية في الوقت الحالي

لكن الأمر الأكثر تعقيدا يكمن في كيفية تعامل ترامب مع القضايا الفيدرالية التي يواجهها. فلو فاز ترامب في الانتخابات، سيكون له الحق في عزل المحقق الخاص المكلف بالقضيتين الفيدراليتين، جاك سميث. وسبق أن أعلن ترامب عن نيته القيام بهذا الإجراء إذا فاز بالرئاسة، ما يعني أن هذه القضايا قد تُسقط بشكل كامل في حال دخوله البيت الأبيض

رغم كل هذه السيناريوهات القانونية، فإن كل شيء يعتمد على التوقيت. لو تم إصدار حكم في إحدى القضايا الفيدرالية قبل تنصيب ترامب رئيسا في 20 يناير 2025، يمكنه استئناف الحكم، وحينها سيستطيع استخدام سلطاته الرئاسية للتأثير على وزارة العدل بما يضمن عدم الرد على الاستئناف. لكن ما إذا كان بإمكانه إصدار عفو عن نفسه في القضايا الفيدرالية لا يزال محل جدل قانوني. حتى اللحظة، لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة أن أصدر رئيس عفوًا عن نفسه، ولا تزال هذه المسألة محل نقاش في الأوساط القانونية

إحدى القضايا الأكثر إشكالية بالنسبة لترامب هي أن الإدانات على مستوى الولايات، مثل قضيته في نيويورك أو جورجيا، لا يستطيع الرئيس الأميركي التدخل فيها. فالرئيس لا يملك سلطة العفو عن الإدانات الصادرة عن الولايات. وهذا يعني أن ترامب قد يواجه السجن أو عقوبات أخرى في حال صدور حكم نهائي ضده في هذه القضايا على الرغم من كونه رئيسا منتخبا أو حتى أثناء فترة ولايته

ما يجعل الوضع أكثر حرجا هو أن ترامب يواجه سلسلة من القضايا المعقدة في فترة زمنية ضيقة جدا. من المرجح أن تشهد الأسابيع القادمة تطورات قانونية حاسمة قد تغير مسار الحملة الانتخابية وتعيد تشكيل المشهد السياسي الأميركي. في ظل كل هذا الغموض والتعقيدات القانونية، تبقى مسألة فوزه في الانتخابات وتحقيق عودته إلى البيت الأبيض مثيرة للجدل وتضع البلاد أمام اختبار غير مسبوق لنظامها الديمقراطي

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى