تقارير

الفساد والتقاعس يفضحان الحكومة المصرية: انهيار قطاع الكهرباء ومعاناة المواطنين تتفاقم

في خطوة تبدو محاولة يائسة للسيطرة على الفوضى في قطاع الكهرباء، وجه الدكتور محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، تعليمات صارمة لرؤساء شركات توزيع الكهرباء التسع على مستوى الجمهورية بتكثيف أعمال الضبطية القضائية وتعاونهم مع مباحث الكهرباء لملاحقة الأماكن المخالفة.

يبدو هذا الإجراء استجابة واضحة لتراجع عدد المحاضر المحررة خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يشير بوضوح إلى تقاعس شبه متعمد في متابعة مخالفات سرقات التيار الكهربائي. ولكن هل هذا يكفي؟ وهل المشكلة في المخالفين أم في الفساد الذي ينخر في جسد الوزارة نفسها؟

في التوصيات التي صدرت عن الشركة القابضة للكهرباء يوم الأربعاء الموافق 6 نوفمبر 2024، والتي جاءت بعد اجتماع وزير الكهرباء في 31 أكتوبر مع قيادات الشركة القابضة، تم التركيز على عدد من النقاط المتعلقة بالفقد الفني وغير الفني للتيار الكهربائي، وهي قضية تتزايد خطورتها مع مرور الوقت.

ولكن هل هذه التوصيات تمثل بالفعل خطوة جادة نحو الحل، أم أنها مجرد محاولة لتغطية العجز والتقاعس المتراكم منذ سنوات؟

الفساد في الأرقام: أين تذهب الإيرادات؟

خلال الاجتماع، شدد الوزير على نقطة خطيرة تثير تساؤلات حول مصير الأموال التي يتم تحصيلها من مخالفات سرقات التيار الكهربائي.

فقد أكد على ضرورة عدم تسجيل الغرامات الناتجة عن سرقات التيار الكهربائي كإيرادات ضمن النشاط الخاص بالطاقة المباعة، وهو ما أثارته ملاحظة الجهاز المركزي للمحاسبات بإحدى الشركات.

هذه النقطة تكشف عن فساد ممنهج، حيث تتلاعب بعض الشركات بالأرقام لتحقيق مكاسب غير مشروعة، مما يؤدي إلى تضليل الحسابات المالية وإخفاء الفجوة الحقيقية في الإيرادات.

لم يكن هذا التحذير هو الأول من نوعه، بل جاء بعد سلسلة من الفضائح المتعلقة بتزوير محاضر سرقات التيار الكهربائي، حيث يتم إعداد محاضر وهمية لا تعكس الأحمال الفعلية التي يسرقها المخالفون، وهو ما أدى إلى ضياع ملايين الجنيهات على الدولة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يتم محاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات حتى الآن؟ وهل هناك جهات داخل الوزارة تتستر على هذا الفساد؟

توصيات غير كافية وحلول هشة

في محاولة بائسة لتدارك الوضع، تضمنت التوصيات أيضًا التأكيد على ضرورة التزام كافة المستخدمين على المنصة الموحدة لسرقات التيار الكهربائي بالضوابط التي تضمن دقة الإجراءات.

ومع ذلك، يبدو أن هذه التوصيات تظل على الورق فقط، حيث أن المشكلات تتفاقم بشكل مستمر دون حلول جذرية. تم التطرق إلى أهمية محاسبة المقصرين في إعداد المحاضر الوهمية، لكن من الواضح أن المحاسبة الفعلية ما زالت غائبة، ما يعني استمرار هذا الفساد بلا رادع.

كما شملت التوصيات التأكيد على حوكمة الإجراءات الخاصة بالنظام على منصة المحاضر، لضمان عدم ازدواج المهام بين المستخدمين.

ولكن، هل هذا كافٍ؟ فالفشل في إدارة هذه المنصات ليس إلا جزءًا من المشكلة الأكبر التي تتمثل في تقاعس المسؤولين وتواطؤ البعض في تعمد إهمال متابعة الحالات الحقيقية لسرقات التيار.

العدادات الكودية: هل هي الحل؟

بالإضافة إلى كل ذلك، أشارت التوصيات إلى ضرورة تسريع تركيب العدادات الكودية في ضوء وجود آلاف الطلبات على المنصة الموحدة لخدمات الكهرباء التي ما زالت تنتظر التركيب.

ولكن الواقع المؤلم هو أن هناك تأخيرًا متعمدًا في تنفيذ هذه العمليات، وهو ما يؤدي إلى استمرار سرقات التيار وزيادة الفاقد غير الفني.

لماذا تتأخر الحكومة في تركيب العدادات الكودية على الرغم من وجود هذه الطلبات؟ وهل هناك مصالح خفية وراء هذا التأخير؟ هل يعود السبب إلى التربح من استمرار الوضع الحالي؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة، خاصة في ظل عدم وجود أي جدول زمني محدد لتنفيذ هذه العمليات.

إدارة غير فنية ومصالح متداخلة

التوصيات لم تقتصر على الفقد غير الفني فحسب، بل شملت أيضًا خفض نسب الفقد الفني، حيث طالبت بمتابعة الصيانة الدورية للمهمات على الأرض بشكل فعلي لتحسين جودة التغذية الكهربائية.

ولكن، هل تقوم فرق التفتيش بالفعل بعملها كما ينبغي؟ في كثير من الأحيان، يتم الإبلاغ عن أعطال متعددة ومتكررة دون حلول فعلية.

هذه الأعطال لا يتم تحليلها بشكل صحيح، مما يؤدي إلى زيادة معدلاتها بشكل مقلق، بينما يظل المواطن هو الضحية الرئيسية لهذه الفوضى.

التوصيات طالبت بقياس الأحمال الفعلية بشكل دوري والحفاظ على توازن الأحمال في الحدود المقبولة، وهو ما يعد من أساسيات العمل في أي شبكة كهرباء محترمة.

ومع ذلك، يبدو أن هذا الإجراء يتم التغاضي عنه بشكل متعمد، حيث تتزايد الأعطال بشكل يومي، مما يهدد استقرار الشبكة ويزيد من معاناة المواطنين.

فساد بلا محاسبة: إلى متى؟

في النهاية، تبدو توصيات الشركة القابضة للكهرباء مجرد مسكنات لأزمة أكبر بكثير. التوجيهات التي صدرت لرؤساء شركات التوزيع بسرعة تنفيذ هذه التوصيات مع موافاتها بما يتم تنفيذه ليتم عرضه على وزير الكهرباء، تشير إلى مستوى عالٍ من البيروقراطية التي تعطل أي تقدم حقيقي.

وبينما يتم تداول هذه التوصيات في الاجتماعات المغلقة، يستمر المواطنون في معاناتهم من انقطاع الكهرباء وارتفاع الفواتير دون مبرر واضح.

السؤال الذي يبقى مطروحًا: إلى متى سيستمر هذا الفساد؟ وإلى متى سيظل المواطن المصري يدفع ثمن التقاعس والإهمال والفساد في هذا القطاع الحيوي؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى