الحكومة المصرية تذل المعلمين: فساد وتحميل أعباء غير مبررة لفرض تحاليل المخدرات
في مشهد مأساوي يعكس مدى الفشل الحكومي في معالجة الأزمات، انتفضت مراكز ومستشفيات الصحة النفسية في مصر على وقع زحام شديد وغير مسبوق من قبل المعلمين الذين اجتمعوا في مكان واحد لإجراء تحاليل المخدرات.
وكان ذلك تنفيذاً للقرار الوزاري رقم 168 لسنة 2023 الذي فرض إجراء التحاليل كشرط أساسي لترقية المعلمين، ليزيد ذلك من معاناتهم في ظل الأوضاع الاقتصادية المزرية التي يمر بها الشعب المصري، في وقت تغض فيه الحكومة الطرف عن احتياجاتهم الحقيقية.
القرار الوزاري الذي طال المعلمين المستحقين للترقية من دفعة 2018، تضمن تعليمات عاجلة لمراكز التربية والتعليم بسرعة إجراء تحاليل المخدرات لأولئك الذين استوفوا الشروط التي تتيح لهم الترقي، وهو ما أدى إلى كارثة غير متوقعة في مراكز التحاليل، حيث تكدس المعلمون بشكل غير معقول في مستشفيات الصحة النفسية.
هذا القرار الذي جاء بناءً على السلطة المختصة رقم 484، فرض على المعلمين التوجه إلى هذه المستشفيات لإجراء التحاليل في فترة لا تتجاوز 15 يومًا، مما سبب تكدسًا شديدًا وعجزًا كبيرًا في التعامل مع الموقف، وهو ما أضاف عبئًا جديدًا إلى ما يواجهه هؤلاء المعلمون من صعوبات.
زيادة الأعباء المالية على المعلمين: 500 جنيه تحليل واحد
لكن المعلمين لم يعانوا من الزحام فقط. فما فاق الغضب والمعاناة هو قرار رفع رسوم التحليل من 50 جنيهًا إلى 500 جنيه، الأمر الذي أثار استياءً واسعًا في صفوف المعلمين الذين يجدون أنفسهم في مواجهة صعوبة تلو الأخرى.
كيف لهم أن يتحملوا هذه الأعباء الإضافية وهم يعانون من انخفاض الرواتب في ظل ارتفاع الأسعار والتضخم الذي يضرب البلاد؟
المعلم الذي يتطلع للترقية لا يجد أمامه سوى طريق واحد: إما أن يواجه المصير الذي فرضته الحكومة ويقبل الإذلال المتمثل في هذه الرسوم المرتفعة، أو أن يفقد فرصة الترقية التي قد تكون عصب حياته المهنية.
لكن العجب العجاب هنا هو أن الحكومة لم تعر أي اهتمام لما يعانيه المعلمون من صعوبة في تحمل مثل هذه الرسوم، مما يزيد من الظلم الواقع عليهم.
البرلمان يتحرك .. ولكن أين الحل؟
الضغوط التي مر بها المعلمون دفعت النائبة سناء السعيد، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إلى التحرك سريعًا.
تقدمت السعيد بطلب إحاطة للوزيرين المعنيين: وزير التربية والتعليم ووزير الصحة، بشأن ما يعانيه المعلمون من ارتفاع تكلفة تحاليل المخدرات.
حيث أشارت السعيد إلى أن التحليل الذي يتم في المستشفيات الحكومية يتطلب دفع 500 جنيه، وهو مبلغ يرهق المعلمين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليفه.
وطالبت السعيد الحكومة بأن تتخذ قرارًا بتوفير هذه التحاليل في المستشفيات الحكومية بشكل مجاني أو بتكلفة رمزية، خاصة أن هذه الفئة من الموظفين في وزارة التربية والتعليم تعاني من ظروف اقتصادية صعبة تتضاعف يومًا بعد يوم.
بينما لا زالت الحكومة تكتفي بإصدار القرارات المتهورة دون أن تضع في اعتبارها أوضاع المواطنين، وكلما زادت الفجوة بين تصريحات المسؤولين وواقع الحال، تتسع دائرة الغضب الشعبي.
تكدس المعلمين في أسيوط والمنيا وقنا: حلول شكلية أم مجرد مسكنات؟
وبينما تفاقمت الأزمة في مختلف أنحاء الجمهورية، سارع مسؤولو نقابة المعلمين إلى التصرف في محاولة لتخفيف التكدس. ففي أسيوط، أعلن عزت علي حسن، نقيب المعلمين بالمحافظة، عن تدخل النقابة لحل أزمة التكدس في مستشفى الصحة النفسية.
حيث قاموا بالتنسيق مع مديرية الصحة لتحديد مواعيد محددة للمعلمين على مدار أيام الأسبوع لتخفيف الازدحام. وفي نفس السياق، تم تحديد خمسة معامل في أسيوط لإجراء التحاليل، وهو إجراء لا يمكن اعتباره سوى مسكن مؤقت في مواجهة أزمة مستمرة.
أما في المنيا، فقد تواصلت الأزمة على نفس الوتيرة، حيث تم تحديد مواعيد محددة لإجراء تحاليل المخدرات للمعلمين الذين بلغ عددهم نحو 9 آلاف معلم مرشح للترقية.
وفي قنا، سعت الإدارات التعليمية أيضًا إلى تحديد مواعيد لتقليل التكدس، لكن هل يمكن لمثل هذه الحلول المؤقتة أن تحل الأزمة جذريًا؟ بالتأكيد لا. فالأزمة أكبر من أن تحل بتحديد مواعيد وإجراءات شكلية، فالمسألة تتعلق بحياة المعلمين وظروفهم المعيشية التي تتدهور يومًا بعد يوم بسبب الإهمال الحكومي.
ما بين قرار خاطئ وإهمال متعمد
ما حدث لم يكن مجرد أزمة طارئة، بل هو نتاج طبيعي لسياسات الحكومة المتعاقبة التي تفتقر إلى أي رؤية حقيقية لمشاكل المواطن المصري.
وفي حين أن كل الأعين كانت تتجه إلى المعلمين وحقوقهم في الحصول على ترقياتهم من خلال تحاليل لا تكلف الحكومة شيئًا، كان الحل في أيدي المسؤولين مجرد أعباء جديدة تضاف إلى معاناة الشعب.
في الوقت الذي كان يجب على الحكومة أن تدرك فيه أن تعليم الوطن هو أساس نهضته، يبدو أن هناك من يصر على تحميل المعلم عبئًا إضافيًا جديدًا في زمن يتساقط فيه الجميع تحت وطأة الظروف المعيشية الصعبة.
الكل يعرف أن المعلم هو الذي يبني الأجيال ويرسم مستقبل الأمة، ولكن الدولة لا تزال تتعامل معه كمجرد أداة لخدمة القرارات الحكومية، تاركة إياه يواجه القسوة بكل أشكالها، سواء كانت مالية أو نفسية.