الحكومة المصرية تتقاعس عن سداد الديون وتدفع قطاع الطاقة نحو الهاوية
أزمة جديدة تضاف إلى سجل الحكومة المصرية المثقل بالأزمات وتسلط الضوء على فشلها المتواصل في إدارة ملفات حيوية مثل الطاقة والموارد الطبيعية.
شركة “دانة غاز” الإماراتية، واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في قطاع الغاز المصري، أعلنت عن أزمة تهدد مستقبل تطوير قطاع الغاز في مصر، وذلك بسبب تقاعس الحكومة عن سداد ما يقرب من 24 مليون دولار من أصل مستحقات الشركة البالغة 59 مليون دولار.
هذه الأرقام تكشف عن أزمة حقيقية تضرب الاقتصاد المصري وتجعل البلاد رهينة للفشل الحكومي في إدارة هذا الملف الحيوي، في وقت تحتاج فيه مصر بشدة لتعزيز قطاع الطاقة وتقليل الاعتماد على واردات الغاز المسال.
تجاهل حكومي ووعود فارغة: أين تذهب الأموال؟
الأمر لا يقف عند مجرد تأخر السداد، بل إن تأثير هذا التقاعس يمتد ليعرقل خطة استراتيجية كانت شركة “دانة غاز” تعتزم تنفيذها في مصر. هذه الخطة تشمل تطوير واستكشاف 11 بئرًا جديدًا في مناطق امتيازها، وتستهدف الشركة ضخ نحو 100 مليون دولار في هذا المشروع. هذا الاستثمار كان يمكن أن يعزز من إنتاج الغاز الطبيعي بشكل كبير، حيث تشير الشركة إلى أن المشروع كان من المتوقع أن يضيف حوالي 80 مليار قدم مكعب من احتياطيات الغاز في مصر. هذه الكمية الكبيرة من الغاز كانت ستؤدي إلى توفير أكثر من مليار دولار للاقتصاد المصري من خلال تقليل الاعتماد على استيراد الغاز الطبيعي المسال والزيت الثقيل لتوليد الكهرباء.
الحكومة المصرية لم تكتف بتجاهل هذه المستحقات، بل تبدو عاجزة عن تقديم أي حلول ملموسة. على الرغم من أن “دانة غاز” قد أبدت رغبتها في إعادة استثمار المبلغ الذي ستتلقاه من الحكومة في مشروع استراتيجي، إلا أن الحكومة المصرية، ممثلة في الشركة القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس”، تبدو غير مبالية بالتعجيل في حل هذه الأزمة. الشركة الإماراتية تعمل حاليًا على محاولة التوصل إلى حل مع “إيجاس”، إلا أن التأخر المستمر في سداد الديون يثير تساؤلات عديدة حول مصداقية الحكومة المصرية في الوفاء بالتزاماتها تجاه الشركات الأجنبية التي تعتمد عليها في تطوير قطاع الطاقة.
مجلس النواب والتصديق على اتفاقيات لن تنفذ: وعود سياسية خاوية
في يونيو الماضي، صدق مجلس النواب المصري على اتفاقية الامتياز الجديدة لشركة “دانة غاز”، وهي اتفاقية تدمج مناطق امتياز الشركة في إطار موحد وبشروط محسنة. هذه الخطوة كانت من المفترض أن تكون خطوة إيجابية نحو تعزيز استثمارات الشركة في مصر، ولكن الواقع يعكس عكس ذلك تمامًا. على الرغم من التصديق على هذه الاتفاقية، فإن تقاعس الحكومة عن سداد مستحقات الشركة يضع الاتفاقية بالكامل على المحك، ويجعل من الصعب على الشركة الإماراتية تنفيذ أي خطط تطويرية.
هنا تبرز إشكالية أكبر، وهي أن مجلس النواب والحكومة على ما يبدو يكتفيان بتمرير القوانين والاتفاقيات دون ضمان تطبيقها أو توفير البيئة المناسبة لتنفيذها. فكيف يمكن لأي شركة أن تثق في الحكومة المصرية وتستمر في استثمار ملايين الدولارات إذا كانت الحكومة نفسها تتلكأ في سداد مستحقاتها؟ هذه الممارسات تدفع الشركات الأجنبية إلى إعادة النظر في استثماراتها في مصر، وربما تفكر في تقليل وجودها أو الانسحاب بشكل كامل إذا استمر هذا الإهمال.
الفساد وتراجع الإنتاج: الاقتصاد المصري في دوامة الخسائر
لا تقتصر مشاكل “دانة غاز” في مصر على تأخر سداد المستحقات فقط، بل تواجه الشركة تحديات أخرى خطيرة تتمثل في انخفاض أسعار بيع الغاز وتراجع الإنتاج في مصر. هذه العوامل تزيد من تعقيد الوضع وتضع عبئًا إضافيًا على الاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل كبير على إنتاج الغاز لتلبية احتياجاته المتزايدة من الطاقة. انخفاض الإنتاج في ظل التراجع المستمر في أسعار الغاز يجعل الوضع أكثر سوءًا ويهدد بعواقب كارثية على القطاع بأكمله.
الاقتصاد المصري الذي يعاني بالفعل من تدهور في العديد من القطاعات، يواجه الآن تهديدًا جديدًا قد يدفعه إلى هاوية جديدة. في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون الحكومة المصرية في مقدمة الجهود لدعم هذا القطاع وتطويره، نجدها تتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المستثمرين الأجانب. الفساد وسوء الإدارة باتا السمة الغالبة على أداء الحكومة، حيث تذهب أموال الشعب ومقدراته إلى جيوب الفاسدين والمحتكرين بينما يظل المواطن البسيط هو الضحية في النهاية.
مستقبل الطاقة في مصر على المحك: هل هناك أمل في الإصلاح؟
مع هذا التقاعس الحكومي والفساد الذي يضرب جذور النظام، يبدو أن مستقبل الطاقة في مصر على المحك. الشركات الأجنبية، مثل “دانة غاز”، كانت بمثابة طوق النجاة لقطاع الطاقة المصري، إلا أن إهمال الحكومة وفسادها يهددان بتدمير كل الجهود المبذولة لتطوير هذا القطاع الحيوي. وإذا استمر الوضع على هذا النحو، فإن مصر قد تجد نفسها في أزمة طاقة حادة في المستقبل القريب.
الحكومة المصرية أمام تحدٍ كبير الآن، إما أن تفي بالتزاماتها وتقوم بسداد مستحقات الشركات الأجنبية وتعزز مناخ الاستثمار، أو أن تستمر في تجاهلها وفسادها، مما سيدفع هذه الشركات إلى الرحيل ويترك الاقتصاد المصري في مهب الريح.