رغم فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولاية جديدة أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن عزمه مواصلة الجهود لإنهاء الحروب المستعرة في غزة ولبنان حتى آخر يوم في ولايته الحالية في خطوة أثارت العديد من التساؤلات حول التوقيت والأهداف والآفاق التي قد تفتحها هذه المساعي في ظل التغيرات السياسية المقبلة في الولايات المتحدة
في وقت كان فيه العالم يتأهب لاستقبال الرئيس الجديد يبدو أن إدارة الرئيس بايدن لم تكتفِ بإغلاق ملفاتها المؤجلة بل قررت أن تدفع بكل قوتها السياسية والدبلوماسية لإنهاء الأزمات الراهنة في الشرق الأوسط قبل تسليم الراية للبيت الأبيض بعد انتخابات مثيرة وصراعات متواصلة حول هوية القيادة الأمريكية القادمة
موقف بلينكن جاء في بيان رسمي أعلن فيه عن التزام الوزارة بالسعي الحثيث لإنهاء الحروب في غزة ولبنان مهما كانت التكلفة السياسية قبل أن ينتقل ترامب إلى سدة الحكم مرة أخرى كانت هذه التصريحات تتويجاً لمسار دبلوماسي طويل حاولت من خلاله الإدارة الحالية إظهار دعمها للسلام في المنطقة رغم الفوضى التي تكتنف تحركاتها في أماكن أخرى
لكن السؤال يبقى هنا هل سيستمر هذا الضغط الدبلوماسي حتى اللحظة الأخيرة من ولاية بايدن أم أن سياسات واشنطن ستتغير بشكل جذري مع وصول ترامب إلى الحكم مرة أخرى؟ هذه التساؤلات تدور في أذهان الكثير من المراقبين المتابعين للشأن الدولي خاصة وأن هناك تبايناً كبيراً بين سياسات الحزبين الجمهوري والديمقراطي تجاه قضايا الشرق الأوسط
النقطة الأبرز التي تثير الجدل هي مسألة استمرارية المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر والتي كانت إدارة بايدن قد تعهدت بتقديمها في محاولة لتخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين في وقت حرج للغاية وبحسب المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر فإن الإدارة الحالية ستواصل العمل على إيصال هذه المساعدات دون انقطاع رغم التصعيد العسكري الخطير والتحديات الميدانية التي تواجه هذه الجهود
في الوقت ذاته تظهر نتائج استطلاع للرأي أن 66٪ من الإسرائيليين يرون أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستكون أمراً إيجابياً لهم معتبرين أن سياساته السابقة تجاه إسرائيل كانت أكثر دعماً وأقل تشدداً مع بعض الأطراف الإقليمية الممانعة فما هو تأثير هذه النتائج على استمرارية التوجهات الأميركية في دعم الحلول السلمية أو فرض الضغوط على الأطراف المتنازعة في المنطقة؟
إذًا يبدو أن الحروب في غزة ولبنان ستظل محور الاهتمام الدولي في الأيام القادمة بل ويمكن القول إن الموقف الأميركي سيكون حاسماً في تحديد مسار هذه الأزمات فإدارة بايدن لا تزال في السلطة وتسعى إلى تحقيق مكاسب دبلوماسية رغم أنها قد تترك إرثاً معلقاً قد يؤثر بشكل كبير على الإدارة الجديدة تحت قيادة ترامب
الملفت في هذا السياق هو أن الإدارة الأميركية تحت ضغط متزايد من أطراف مختلفة سواء من الداخل الأميركي أو من حلفائها في المنطقة فبينما تسعى وزارة الخارجية الأميركية للعب دور الوسيط والمسهل في عملية السلام إلا أن هناك الكثير من الشكوك التي تحيط بقدرتها على التوصل إلى حلول ملموسة قبل نهاية ولاية الرئيس بايدن فهل سيحقق بلينكن ما فشلت فيه الإدارات السابقة في ظل الضغط المتصاعد في الشرق الأوسط؟
التحدي الآخر الذي يواجه بلينكن هو ضمان استمرار دعم الكونغرس الأميركي والطبقة السياسية لهذه السياسة في ظل الانقسام الحاد داخل واشنطن في عهد ترامب القادم هذا سيجعل أي تحول سياسي بعد 20 يناير يثير قلق العديد من الأطراف في العالم وخاصة في المنطقة التي اعتادت على سياسة أميركية غير ثابتة
وسط هذا المشهد المتشابك تظل الأسئلة المحورية حول مصير عملية السلام في غزة ولبنان معلقة في ظل الظروف الحالية التي تتطلب موقفاً أكثر حزماً من واشنطن خصوصاً مع تصاعد العنف في غزة والأزمة المتفاقمة في لبنان فهل ستتمكن أميركا من استغلال الفرصة المتبقية في إدارة بايدن لتحقيق انفراجة حقيقية أم أن الأحداث ستمضي كما هي من دون أي أفق سياسي واضح؟
في النهاية على الرغم من فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية والضغوط السياسية التي يواجهها بلينكن فإن ما يحدث في المنطقة هو بالأساس مسألة ذات طابع دولي ولا يمكن لأميركا أن تقف على الحياد بينما تتسارع الأحداث نحو مزيد من التوترات العسكرية هذا ما يجعل المواقف الدولية تزداد تعقيداً وتزيد من حجم المخاطر التي قد تترتب على فشل التحركات الدبلوماسية الحالية
إذن أمامنا مرحلة دقيقة حيث سيحدد الأيام القادمة ما إذا كانت إدارة بايدن ستتمكن من تحقيق نجاحات في إنهاء الحروب في غزة ولبنان أم أن التأجيل سيستمر إلى مرحلة ما بعد ترامب ليبقى الملف الشرق أوسطي مفتوحاً على كل الاحتمالات