أحلامٌ كبيرة وحياةٌ جديدة، كلّها آمال يطير بها بعض المصريين إلى تركيا، متأملين في تغيير حياتهم نحو الأفضل. لكن ما إن تطأ أقدامهم أرض المهجر حتى يتبخر كل شيء ويكتشفون أن وعود “السماسرة” لم تكن إلا سرابًا.. فيجدون أنفسهم محاصرين بالشرطة، عالقين بين أسوار السجون.
الحاجة، والأزمة الاقتصادية
الدافع الذي يجعل الشباب المصري يغامر بحياته وماله بحثاً عن فرصة في الخارج ليس إلا انعكاساً للحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها كثيرٌ من أبناء الوطن. تعاني مصر من أزمة اقتصادية طاحنة، تضرب أركان المجتمع، وترفع من معدلات البطالة، وتزيد من معاناة الأسر المتوسطة والفقيرة التي بالكاد تُدبّر قوت يومها.
في ظل هذا الواقع المرير، يبدو السفر خارج الحدود بارقة أمل أخيرة للهروب من ضيق الحال، وخياراً وحيداً في عيون من يبحثون عن حياة أفضل. ترى شباباً يبيعون ما يملكون، يستدينون أو يقتطعون من مدخراتهم لتأمين تكاليف السفر، مُعَلّقين آمالهم على وعود شركات التوظيف. فالأمر لا يتعلق بمجرد رحلة؛ بل هو سعي إلى الخلاص من ضغوط الحياة التي أرهقتهم، بحثاً عن أبسط الحقوق التي ربما يعتقدون أنهم سيجدونها في بلاد المهجر.
أحلام ووعود كاذبة
تحمل بعض الشركات القناع المخادع، تتخذ من تركيا وجهةً للنصب على المصريين، حيث تبدأ القصة بوعود زائفة وفرص عمل لا وجود لها. يزينون للمصريين حلم السفر، يعدونهم بالأمان والمستقبل الواعد، لكنهم في الحقيقة لا يعرفون سوى الكذب والغدر.
البداية تكون بمنشورٍ على الفيسبوك، إعلانٍ يبدو بريئًا يحمل في طياته كلمات الأمل، يَعِدُ بوظائف ذات دخل جيد وحياة كريمة في تركيا. يجذب ضحاياه من البسطاء الذين يبحثون عن فرصة للخروج من ضيق الحال، ليتصلوا بالرقم المُعلن ويجدوا أنفسهم في شباك النصب. تستغل هذه الشركات رغبتهم العارمة في الهرب من الوضع الصعب، فتفتح لهم باباً يظنونه مفتاح خلاصهم، بينما هو في الحقيقة باب إلى الفخ.
وفي غفلة، يسافرون على أمل تحقيق الحلم، وهناك تتبدد الأحلام ويُدركون أن “شركة التوظيف” التي جلبتهم هي شبكة نصب احتالت على أموالهم. يُخبرونهم، يستولون على بعض أموالهم، ويُبقونهم في غرف صغيرة مكتظة، تشبه السجن بلا رواتب أو حقوق، وتبدأ مرحلة المماطلة.
الصدمة والواقع المرير
ومع مرور الأيام، يُفاجأ المصريون الذين وُعدوا بالشغل الحرِّ أنهم في واقع الأمر مُلاحَقون، قد يظن البعض أنهم على أبواب فرصة عمل، ليكتشفوا أنهم تحت رحمة الشرطة، مُتهمين بالإقامة غير الشرعية. وفي كثير من الأحيان، تتعاون هذه الشركات مع سماسرة الهجرة في مصر، يتقاسمون الغنائم من جيوب المغتربين، تاركين هؤلاء الشباب ضحية بين مطرقة الغربة وسندان النصب.
وتتوالى القصص بين أولئك الذين تم خداعهم، فيجد بعضهم نفسه بين أربعة جدران لا يرون فيها إلا أحلامًا مهشمة، ومعاناة تضاف إلى معاناة الوطن. يتحسرون على اللحظة التي قرروا فيها الثقة بأصحاب الوعود البراقة، ويتمنون لو عاد بهم الزمن ليختاروا حياة بسيطة في وطنهم، بدلاً من أن يتحولوا إلى ضحايا لاستغلال بلا رحمة.
يبقى السؤال الصارخ: كيف لشبابٍ في مقتبل العمر، باحثين عن لقمة العيش، أن يصبحوا ضحايا خداع ونصب لا يرحم؟ وبينما تتعدد القصص وتتكرر المأساة، تظل العبرة واضحة؛ الحذر من سماسرة الأوهام، ووعود المال السريع والغربة السعيدة، فليس كل من هاجر نجا، ولا كل من وُعد وُفِّي بوعده ولا ظاهر كل الأمور مثل باطنها.