تقاريرمحافظات

حكومة مصر تترك دماء المواطنين لأجل مصالحها الاقتصادية وفسادها في مرسى مطروح

انتشر مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي، في حادثة صادمة هزت الرأي العام المصري، حيث أظهر الفيديو الذي تم توثيقه في منطقة “جميمة” بمحافظة مرسى مطروح، مشهداً كارثياً لعدداً من الأهالي وهم يشتبكون مع قوات من الجيش، بينما تُسمع أصوات الرصاص تتساقط على الأجواء لتختلط بالصراخ والدماء.

الصورة التي كانت محط أنظار الجميع كانت صادمة للغاية، حيث ظهر شاب ملقى على الأرض، جسده مخضب بالدماء، في مشهد يعكس حجم الظلم والعنف الذي تمارسه الحكومة المصرية ضد مواطنيها.

الاشتباكات التي جرت لم تكن حدثاً عابراً، بل كانت نتيجة مباشرة لقرار الحكومة المصرية بتنفيذ مشروع استثماري ضخم في المنطقة، أطلق عليه اسم “ساوث ميد إيجيبت”، والذي تشرف عليه الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بالشراكة مع مجموعة طلعت مصطفى القابضة وبمشاركة استثمارية إماراتية.

ولعل هذا المشروع الذي يبدو للوهلة الأولى كمشروع تنموي عملاق، يكشف بوضوح عن الوجه القبيح للحكومة المصرية، التي لا تكترث بمصير المواطنين في سبيل مصالحها الاقتصادية والسياسية.

الحكومة المصرية، في مشهد يؤكد تقاعسها في حماية حقوق المواطنين، قررت في بداية عام 2024 بدء عملية إخلاء منطقة “جميمة” من سكانها الذين يعيشون هناك منذ عقود، بل إن البعض منهم يملك الأرض ويسكنها لأجيال متعاقبة.

هذا القرار لم يكن ناتجاً عن أي عملية قانونية سليمة أو حوار مجتمعي مع الأهالي، بل كان مجرد قرار سلطوي صادر عن وزارة الدفاع المصرية تحت مزاعم تخصيص 23 مليون متر مربع من أراضي المنطقة لصالح القوات المسلحة.

قرار الإخلاء الذي يبدو وكأنه تصرف أعمى، جاء دون أدنى اعتبار للحقوق الإنسانية أو المراعاة للظروف الاجتماعية للسكان.

في الوقت الذي كان فيه الأهالي يحاولون الدفاع عن أراضيهم ومنازلهم، كان الجيش يفرض القوة العسكرية عليهم بشكل لا يمكن وصفه إلا بالوحشي.

تم تجاهل أي محاولة للتفاوض أو إيجاد حلول وسط، بينما كانت الأسلحة تفرض واقعاً قاسياً على الجميع. الصور التي التقطها السكان توضح بشكل جليّ أن الأمور كانت تتصاعد إلى مستوى غير قابل للسيطرة.

إن ما يحدث في “جميمة” ليس مجرد خلافات بين حكومة وشعب، بل هو تجسيد حقيقي للفجوة الواسعة بين الطبقات الحاكمة والمواطنين البسطاء الذين يكتوون بنيران التهميش والفقر.

تتعدد الأزمات في مصر بشكل مريب، بينما تزداد الوعود الحكومية بزيادة الاستثمارات وتحقيق التنمية. لكن الحقيقة المؤلمة أن الفقراء يدفعون ثمن هذه الاستثمارات على حساب حياتهم ومستقبلهم.

قرار إخلاء سكان “جميمة” لم يكن سوى خطوة أخرى ضمن مسلسل طويل من تهميش حقوق المواطنين لصالح مشاريع اقتصادية مشبوهة تستفيد منها قلة قليلة من كبار رجال الأعمال والشركات القوية.

فشركة “طلعت مصطفى” التي دخلت في شراكة مع القوات المسلحة في هذا المشروع، هي واحدة من أكبر الشركات العقارية في مصر، التي تمتلك علاقات وثيقة مع النظام الحاكم. بينما تذهب الأرباح إلى تلك الشركات الكبرى، يترك المواطنون يعانون من الجوع والفقر والتهجير القسري.

إن هذا المشروع، الذي يتم تسويقه باعتباره خطوة نحو التنمية، هو في الحقيقة ضربة قاسية للفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع المصري.

فلا أحد يهتم بمصير أولئك الذين سيُجبرون على مغادرة منازلهم وترك أراضيهم التي قضوا فيها حياتهم، بل حتى هؤلاء الذين عاشوا في تلك الأراضي قبل أن تُخصَّص لصالح الجيش، لا يتم الاعتراف بحقوقهم القانونية.

هذا النوع من الظلم الاجتماعي هو السمة المميزة للسياسات الحكومية التي لا ترى في الإنسان سوى أداة لتحقيق مصالح اقتصادية.

ومن الواضح أن الحكومة المصرية لا تأبه بالأضرار التي تلحق بالسكان المحليين. فجميع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتسهيل عملية الإخلاء كانت تفتقر إلى الشفافية والمصداقية.

فبدلاً من تقديم تعويضات عادلة أو مساعدة للفقراء، كان هناك ضغط مستمر على الأهالي للرحيل بالقوة، وهو ما حدث بالفعل في “جميمة”، حيث استخدمت القوات المسلحة العنف المفرط ضد المدنيين، محاولين فرض واقعهم الجديد بالقوة.

وعلى الرغم من التصريحات المتكررة للحكومة عن استراتيجيات التنمية، فإن هذه الحادثة في مرسى مطروح تفضح أكثر من أي وقت مضى حجم الفساد المستشري داخل المؤسسات الحاكمة.

بينما تعلن الحكومة عن استثمارات ضخمة في البنية التحتية والمشروعات الكبرى، يتضح أن تلك المشاريع ليست سوى أدوات للتربح على حساب الناس.

إن الشراكة بين الجيش وشركات ضخمة مثل مجموعة طلعت مصطفى تمثل نموذجاً واضحاً لتورط السلطة في مصالح تجارية على حساب حقوق المواطنين.

إن المعركة التي نشبت في “جميمة” ليست مجرد صراع على الأرض، بل هي صراع بين الأمل في حياة أفضل للمواطنين، وبين سياسات سلطوية تزداد فساداً واستهتاراً بحياة الناس.

مصر التي كان ينبغي أن تكون قدوة في تطبيق العدالة والحقوق الإنسانية، أصبحت الآن مكاناً يحتفل فيه البعض بالأرباح الطائلة على حساب دماء الأبرياء.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى