اقتصادتقارير

انفلات سعر الدولار: انهيار الجنيه في غياب الرقابة الحكومية

في مشهد مأسوي تتكشف أبعاده يومًا بعد يوم، يواصل سعر صرف الدولار ارتفاعه الجنوني أمام الجنيه المصري، حيث تخطى الدولار حاجز الـ49 جنيهًا، مما أثار غضبًا واسعًا بين المواطنين ودفع الكثيرين للتساؤل عن دور الحكومة في حماية العملة المحلية والاقتصاد المتهاوي.

سجل الدولار في مصرف أبوظبي الإسلامي أعلى مستوى له، حيث بلغ 49.30 جنيه للبيع و49.21 جنيه للشراء، بينما في بعض البنوك الأخرى مثل البنك العقاري المصري العربي وبنك أبوظبي التجاري، سجل الدولار مستويات أقل قليلاً عند 49.07 جنيه للشراء و49.17 جنيه للبيع. هذا التفاوت في الأسعار بين البنوك يزيد من الضبابية حول مستقبل الاقتصاد المصري ويؤكد حالة التخبط التي تعاني منها السياسات المالية في البلاد.

البنك المركزي المصري لم يكن استثناءً من هذا الفشل في احتواء الأزمة، حيث بلغ متوسط سعر صرف الدولار لديه 49.17 جنيه للشراء و49.30 جنيه للبيع، وهي أرقام تكشف عن حالة من العجز الواضح لدى الجهات الرسمية في مواجهة هذه الكارثة الاقتصادية.

في ظل هذا الوضع المتأزم، تتواصل المخاوف بين المواطنين بشأن استمرار انهيار قيمة الجنيه المصري وتأثير ذلك على حياتهم اليومية وقدرتهم على تحمل الأعباء المتزايدة.

فساد وتراخي حكومي مريب

بينما يعيش المواطنون حالة من الغليان بسبب التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل غير مسبوق، تواصل الحكومة المصرية ممثلة في رئيسها مصطفى مدبولي إصدار تصريحات تعكس حالة من التراخي واللامبالاة تجاه الأزمة.

ففي تصريح مثير للجدل، قال مدبولي إنه “لن يكون هناك تعويم بمعنى كلمة التعويم”، مبررًا ارتفاع الدولار بأنه “طبقا لمعطيات السوق” ومرجحًا أن الدولار “يطلع وينزل بنسب عادية”، وهو ما وصفه بالشكل الصحي تمامًا وفقًا لقانون العرض والطلب.

هذه التصريحات ليست فقط مستفزة بل تكشف عن حجم الانفصال بين الحكومة وواقع الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المواطن.

كيف يمكن لمثل هذه التصريحات أن تُفسر سوى بأنها غطاء لفشل الحكومة في اتخاذ خطوات حقيقية لإنقاذ العملة المحلية؟ وهل يعقل أن يقف المسؤول الأول في البلاد مكتوف الأيدي ويكتفي بالقول إن “الدولة لن تتدخل” بينما يتفاقم الوضع يومًا بعد يوم؟

الأرقام وحدها كفيلة بفضح حقيقة الوضع. فعلى سبيل المثال، سجل اليورو ارتفاعًا ملحوظًا حيث بلغ متوسط سعره 53.49 جنيه للشراء و53.65 جنيه للبيع، فيما ارتفع الجنيه الإسترليني ليصل إلى 63.77 جنيه للشراء و63.95 جنيه للبيع.

أما على مستوى العملات العربية، فقد سجل الريال السعودي 13.10 جنيه للشراء و13.12 جنيه للبيع، فيما بلغ الدرهم الإماراتي 13.39 جنيه للشراء و13.42 جنيه للبيع. كل هذه الأرقام تؤكد حقيقة واحدة: الجنيه المصري في حالة انهيار والدولة عاجزة أو متقاعسة عن التدخل.

انعكاسات كارثية على حياة المواطنين

ارتفاع الدولار بهذه الصورة المفزعة لا ينعكس فقط على الورق أو في المعاملات البنكية، بل يمتد ليطال كل جوانب الحياة اليومية للمصريين.

أسعار السلع الغذائية والوقود والمواد الاستهلاكية الأخرى تتزايد بشكل جنوني. المواطن البسيط، الذي بالكاد يستطيع توفير احتياجاته الأساسية، بات عاجزًا عن مواكبة هذا الارتفاع المستمر في الأسعار.

الرواتب التي لم تعد تساوي شيئًا في ظل هذا التضخم أصبحت مجرد أرقام على الورق لا تكفي لتغطية أقل احتياجات الأسرة.

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل الحديث عن الفساد المالي والإداري الذي يعصف بمؤسسات الدولة والذي يمثل جزءًا أساسيًا من هذه الأزمة. الحكومة المصرية تبدو وكأنها تسير وفقًا لأجندة خاصة بها، متجاهلة تمامًا صرخات المواطنين واحتياجاتهم الأساسية.

بينما تتدفق الاستثمارات الأجنبية في بعض القطاعات، يستمر المواطن العادي في دفع الثمن. من المستفيد الحقيقي من هذا الارتفاع الجنوني في سعر الدولار؟ ولماذا تتجاهل الحكومة اتخاذ أي خطوات ملموسة للحد من هذه الأزمة؟ أسئلة مشروعة تظل دون إجابة.

الحكومة تغرق في وعود واهية

رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في محاولاته البائسة لتهدئة الرأي العام، أصر على أن الحكومة تراقب الوضع عن كثب، لكن هذه المراقبة لا تتعدى كونها تصريحات جوفاء.

الواقع يثبت أن الحكومة فشلت فشلاً ذريعًا في إدارة هذه الأزمة. وبدلاً من اتخاذ إجراءات صارمة لضبط السوق والسيطرة على سعر الدولار، نجد أن التصريحات الرسمية تأتي دائمًا مشوبة بالغموض واللامبالاة.

إنكار الحكومة المتواصل لمسؤوليتها عن هذا التدهور الاقتصادي الفاضح يزيد من حالة الاحتقان الشعبي. المواطن المصري لم يعد يثق في الوعود الحكومية، ولم يعد يصدق التصريحات التي تدعي أن الأمور “تحت السيطرة”. الوضع يزداد سوءًا مع كل يوم يمر، والأسعار تواصل ارتفاعها دون أي بادرة لحل قريب.

ختامًا: إلى أين تتجه مصر؟

في ظل هذا التخبط الواضح في السياسات الاقتصادية وغياب الرقابة الحكومية الجادة، يبقى السؤال المطروح هو: إلى أين تتجه مصر؟ هل ستظل الحكومة مكتوفة الأيدي بينما يتهاوى الاقتصاد أكثر فأكثر؟

هل سيبقى المواطن المصري هو الضحية الوحيدة لهذا الفشل المتواصل؟ يبدو أن الحكومة المصرية بحاجة إلى تغيير جذري في سياستها قبل فوات الأوان، وإلا فإن المستقبل سيكون أكثر قتامة وكارثية مما يمكن تخيله.

المواطنون بحاجة إلى حلول عاجلة وليس إلى تصريحات مستفزة، والبلاد بحاجة إلى حكومة تتفهم احتياجات الشعب وليس إلى مسؤولين يعطون الأولوية لمصالحهم الخاصة. إذا لم تتحرك الدولة الآن وتتصدى لهذه الأزمة بكل حزم، فإن الأمور قد تتفاقم إلى مستوى لا يمكن السيطرة عليه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى