المغرب أمام اختبار إنساني كارثي: تسليم معارض مصري تركي يهدد حياته
في حادثة قد تهز الأوساط الحقوقية وتفتح ملفا شائكا يتعلق بحقوق الإنسان والمواقف السياسية، أوقفت السلطات المغربية مواطناً يحمل الجنسية المصرية والتركية في مطار محمد الخامس بمدينة الدار البيضاء، بناء على مذكرة تسليم صادرة من السلطات المصرية.
الاعتقال جاء في وقت حساس، وسط مطالبات متزايدة من حقوقيين مغاربة بعدم تسليم هذا المواطن، خوفا من تعرضه لانتهاك صارخ لحقوقه الإنسانية، وهو ما يثير قلقا بالغاً حول سيادة القانون في المغرب وحقوق الأفراد في الحماية من الترحيل إلى دول قد تعتقلهم وتعذبهم بسبب مواقفهم السياسية.
في يوم الأحد 3 نونبر 2024، تم توقيف عبد الباسط الإمام، وهو مواطن مصري تركي، أثناء وصوله إلى مطار محمد الخامس، بناء على مذكرة التسليم الصادرة عن مصر، التي تطالب بإعادته إليها.
المحكمة المغربية سوف تكون هي الفاصلة في تحديد ما إذا كان سيتم تسليمه أم لا، في قضية هي في غاية الحساسية والتعقيد.
بالنسبة للهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين، فإن هذا التوقيف ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو مؤشر على تهديد جدي لحياة وحقوق عبد الباسط الإمام، الذي قد يواجه مصيرا كارثيا إذا تم تسليمه إلى السلطات المصرية.
عبد الباسط الإمام ليس شخصا عاديا في هذه القضية، فقد صدر ضده حكم بالسجن المؤبد في مصر بسبب مواقفه السياسية المعارضة للنظام الحاكم.
يتسم ملفه بالعديد من الملامح التي تثير القلق، حيث يعد أحد أبرز المعارضين في الخارج للنظام المصري، وهو ما يجعل من تسليمه خطوة محفوفة بالمخاطر.
الأمر الأكثر إيلاما في هذه القضية هو أن عبد الباسط فقد ابنه في مذبحة رابعة عام 2013 في القاهرة، حيث قُتل جراء عمليات القمع العنيفة التي شهدتها البلاد ضد المتظاهرين المطالبين بالعدالة. هذا التاريخ المأساوي يجعل من تسليمه إلى مصر أمرا غير إنساني على الإطلاق.
الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين قد أبدت قلقاً بالغاً من احتمالية تعرض عبد الباسط الإمام لانتهاكات جسيمة إذا تم تسليمه.
ومن خلال بيانها، حذرت الهيئة من أن تسليمه يمثل تهديدا حقيقيا لسلامته الشخصية، لا سيما في ظل الأوضاع القمعية في مصر، حيث يستمر النظام في ملاحقة المعارضين السياسيين واعتقالهم.
في الوقت الذي تواصل فيه السلطات المصرية استخدام القوة المفرطة ضد أي شخص يعارض النظام الحاكم، يواجه عبد الباسط الإمام خطراً حقيقياً قد يودي بحياته. والحديث هنا ليس مجرد تهديدات فارغة، بل هو واقع مغطى بتوثيق لعدد كبير من حالات انتهاك حقوق الإنسان في مصر.
تجدر الإشارة إلى أن المغرب ملزم قانونيا وأخلاقيا بموجب الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها، بعدم تسليم أي شخص إلى دولة قد يتعرض فيها للتعذيب أو الإعدام.
هذه المبادئ الدولية التي تحظر “الإعادة القسرية” تضع السلطات المغربية أمام اختبار حقيقي، حيث يتعين عليها تحديد ما إذا كانت ستلتزم بتعهداتها الإنسانية أم ستضطر للانصياع لضغوط سياسية قد تكون كارثية على حياة إنسان بريء.
ما يثير القلق أكثر هو ما قد يواجهه عبد الباسط الإمام إذا تم تسليمه إلى مصر. الحكومة المصرية لها سجل حافل في قمع المعارضين، حيث يتعرض الكثيرون منهم للاعتقال غير القانوني والتعذيب بل والموت في بعض الأحيان.
في مثل هذه الظروف، يصبح التسليم إلى مصر بمثابة حكم بالإعدام، في الوقت الذي لا تقدم فيه السلطات المصرية أي ضمانات لحماية حقوق الأفراد. وعليه فإن إعادة عبد الباسط الإمام إلى مصر يمكن أن يكون بمثابة التوقيع على حكم بالموت البطيء، مما يجعل موقف المغرب في هذه القضية حاسماً في الحفاظ على نزاهته القانونية وحقوق الإنسان.
من جانب آخر، أبدت الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين انزعاجها من صمت السلطات التركية تجاه هذه القضية. فكما هو معروف، تحمل عبد الباسط الإمام الجنسية التركية، وتركيا التي تعتبر نفسها أحد المدافعين عن حقوق الإنسان يجب أن تتحمل مسؤوليتها في تقديم الحماية لمواطنيها في الخارج.
ودعت الهيئة السلطات التركية إلى اتخاذ خطوات فورية لضمان عدم تسليم الإمام إلى مصر، بحيث يتم توفير الحماية له طبقا للمعايير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
إن القضية التي أمامنا ليست مجرد قضية فردية، بل هي قضية مبادئ. فالمغرب يقع أمام مفترق طرق حاسم فيما يتعلق بالوفاء بتعهداته الدولية.
فبينما يتعرض عبد الباسط الإمام لخطر حقيقي في حال تسليمه، تقع على عاتق المغرب مسؤولية ضمان عدم التعرض للتهديدات التي قد تودي بحياته.
إن هذه الحادثة تطرح تساؤلات خطيرة حول مدى احترام حقوق الإنسان في منطقتنا. التسليم إلى الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان ليس مجرد قرار قانوني، بل هو قرار أخلاقي محض.
وفي هذا السياق، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل الوعود الدولية التي تم الالتزام بها في مجال حقوق الإنسان.