فضيحة دبلوماسية: طلاب سودانيون يُحرمون من حقهم في التعليم بسبب تعنت القنصلية المصرية
في مشهد يعكس عمق التقاعس الحكومي والتجاهل المريع لحقوق المواطنين، نظّم العشرات من الطلاب السودانيين وقفة احتجاجية أمام القنصلية المصرية في مدينة بورتسودان، مطالبين بحقهم في الحصول على تأشيرات دراسية تمكنهم من دخول مصر لاستكمال دراستهم.
هؤلاء الطلاب الذين دفعوا مئات الآلاف من الجنيهات السودانية كرسوم دراسية، لم يجدوا سوى الإهمال من قبل القنصلية المصرية، التي أغلقت أبوابها أمام مطالبهم المشروعة دون أدنى اهتمام.
الطلاب، الذين يعانون من أوضاع اقتصادية قاسية، كانوا قد دفعوا مبالغ ضخمة تصل إلى 5000 دولار أمريكي كرسوم تأشيرة دراسية، في محاولة يائسة للوصول إلى الفرص التعليمية في مصر. ولكن بدلًا من أن تفتح لهم القنصلية أبوابها وتؤمن لهم تأشيرات الدخول، فقد وجدوا أنفسهم في مواجهة جدار من اللامبالاة.
هؤلاء الشباب، الذين وضعوا آمالهم في تحسين وضعهم الأكاديمي والمهني، تفاجأوا بتوقف غير مبرر في إصدار التأشيرات الدراسية من قبل القنصلية المصرية. ورغم محاولاتهم المتكررة للتواصل مع الجهات المسؤولة، لم يتلقوا أي ردود على رسائلهم واستفساراتهم التي أرسلوها عبر البريد الإلكتروني والفاكس، بل تم تجاهلهم بشكل كامل.
الوقفة الاحتجاجية التي نظموها أمام القنصلية في بورتسودان لم تكن سوى صرخة يائسة من هؤلاء الطلاب الذين أُغلقت في وجوههم جميع أبواب الأمل. وعلى الرغم من المحاولات المستميتة للوصول إلى أي جهة مسؤولة داخل القنصلية، إلا أن المسؤولين في المقر قوبلوا بالصمت، مما يعكس حجم الفساد والتقصير الذي يعم داخل تلك المؤسسة الدبلوماسية.
من المؤسف أن الطلاب الذين دفعوا مبالغ مالية ضخمة، لا يحصلون على أي مقابل لها. الرسوم التي تراوحت بين 3000 و5000 دولار أمريكي كانت قد دفعت بجدية ووفاء من قبل أولئك الذين يسعون لتحسين فرصهم في التعليم العالي في الخارج. لكن الحكومة المصرية، التي تدعي تقديم الدعم للأشقاء في دول الجوار، تتجاهل هؤلاء الشباب وتمنعهم من حقهم الأساسي في التعليم. هذا التقاعس من قبل القنصلية المصرية يعكس حقيقة واضحة: فساد مستشرٍ يعشش في مؤسسات الدولة.
تعود أسباب هذا التعنت الحكومي إلى مشكلات إدارية مزمنة داخل القنصلية، إذ أشار بعض الطلاب إلى أن هناك مشاكل كبيرة تتعلق بعدم توفر الموظفين الأكفاء في القنصلية، فضلاً عن الازدحام الشديد في المعاملات والتأخير غير المبرر في إجراءات التأشيرات. وعندما حاول الطلاب تقديم شكاوى حول هذا الوضع الكارثي، فإنهم لم يجدوا سوى اللامبالاة والإجابات الباردة التي لا تتناسب مع حجم المشكلة.
ولا يقتصر الأمر على الإهمال الإداري فقط، بل هناك تساؤلات مشروعة حول مدى صحة الإجراءات المالية التي تتبعها القنصلية. بعض الطلاب بدأوا يشككون في أن هذه الرسوم الباهظة تُستخدم لتمويل مشاريع غير معلنة أو ربما تختلط مع أموال أخرى يتم جمعها بطرق غير قانونية. فكيف يعقل أن يتم دفع هذه المبالغ الكبيرة ولا يتم الوفاء بأي من الالتزامات تجاه المواطنين الذين دفعوا هذه الأموال بشق الأنفس؟
إن هذا الوضع الكارثي الذي يعاني منه الطلاب السودانيون أمام القنصلية المصرية، هو مثال صارخ على فشل الدولة في الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطني الدول الشقيقة. مصر، التي كانت في يوم من الأيام قبلة للطلاب العرب والأفارقة، أصبحت اليوم مصدرًا للإحباط والمأساة لهؤلاء الشباب الذين يسعون لتحقيق أحلامهم الأكاديمية في أرض الحضارة والتعليم.
من اللافت للنظر أن الطلاب السودانيين الذين ذهبوا إلى مصر في السنوات الماضية كانت لهم تجارب أفضل بكثير. لكن مع مرور الوقت، بدأت الأمور تتدهور بشكل متسارع، والسبب في ذلك يعود إلى انعدام الكفاءة داخل القنصلية، فضلاً عن الفساد الذي ينخر في كل أركان الحكومة المصرية. فبدلاً من تقديم الدعم الأكاديمي والمساعدة للطلاب، أصبح الفساد والتقاعس هما الرفيقين الدائمين لكل من يسعى للحصول على فرصة للتعلم في مصر.
لم يكتفِ الطلاب السودانيون بتقديم الاحتجاجات والتظلمات، بل بدأوا في تكوين مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي للحديث عن معاناتهم ونشر تجربتهم. وكشفت هذه المجموعات عن حالة من الغضب الشعبي الواسع الذي يعبر عن الإحباط تجاه عدم قدرة الحكومة المصرية على تقديم خدمات أساسية لأبناء الدول المجاورة.
الطلاب السودانيون في بورتسودان قد يواجهون مصيرًا مظلمًا في ظل هذا التراخي الحكومي، ولكنهم أصبحوا اليوم أكثر قوة من أي وقت مضى في المطالبة بحقوقهم. هذه الوقفة الاحتجاجية قد تكون بداية لتغيير جذري في التعامل مع قضايا الطلاب، ليس فقط من قبل الحكومة المصرية، ولكن أيضًا من قبل الحكومات الأخرى التي تسمح بالفساد الإداري في مؤسساتها.
إن هذه الحكاية المأساوية التي يعيشها الطلاب السودانيون في بورتسودان يجب أن تكون رسالة واضحة للجميع، أن الفساد والتقصير في التعامل مع حقوق المواطنين لا يمكن أن يمر مرور الكرام. أن تُحرم مجموعة من الشباب من أبسط حقوقهم الإنسانية، في وقت يحتاج فيه العالم إلى تعليم أفضل وفرص حقيقية للنجاح، هو أمر غير مقبول على الإطلاق.