منظمة الأمم المتحدة في قلب الأزمة المصرية حيث كشفت سلمى يسري، مديرة برنامج التنمية الحضرية في الأمم المتحدة، عن حقيقة كارثية تشير إلى أن 37% من العمران في مصر يقع في مناطق سكنية عشوائية.
هذا الرقم ليس مجرد إحصائية باردة بل هو دليل صارخ على التقاعس الحكومي المستمر في التعامل مع هذه الأزمة التي تهدد مستقبل ملايين المصريين، وتفضح بشكل فاضح الفشل الكبير للسلطات الحاكمة في توفير بيئة حضرية صحية وآمنة لشعبها.
إن هذه الإحصائية تأتي في وقت يعاني فيه المصريون من تفاقم مشاكلهم اليومية من تلوث بيئي وسوء خدمات أساسية مثل المياه والصرف الصحي.
لكن الحكومة المصرية تواصل تجاهل هذه الأزمات الحقيقية، وتستمر في سياساتها التي تركز على مشاريع غير ذات قيمة حقيقية للشعب بينما تترك المناطق العشوائية تتفاقم وتنتشر بشكل غير مسبوق.
37% من العمران في مصر هو مجرد رقم، لكنه في الواقع يعكس إهمالاً صارخاً للمسؤولين، الذين يواصلون تجاهل معاناة الملايين.
بالرغم من إنفاق مليارات الجنيهات على مشروعات التنمية العمرانية، يبقى الوضع في غاية السوء. إذا نظرنا إلى التخطيط العمراني في مصر، نجد أن الحكومة تركز على مشاريع كبرى في المدن الرئيسية، بينما تترك المناطق الريفية والعشوائية بلا رعاية.
هذا التوزيع غير العادل للموارد يكشف عن استهتار الحكومة بمصالح المواطنين الذين يعيشون في مناطق عشوائية يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة. تلك هي الحقيقة المرة التي لا تستطيع الحكومة المصرية إخفاءها بعد اليوم.
وفي الوقت الذي تشهد فيه بعض المناطق في القاهرة الكبرى مشاريع تجميلية، تجد أن المناطق العشوائية تفتقر حتى لأبسط الخدمات مثل الكهرباء والمياه النظيفة. على الرغم من أن الحكومة تُعلن عن مشاريع لتحسين تلك المناطق، إلا أن الواقع لا يعكس ذلك بشكل قاطع.
كيف يمكن للسلطات أن تقنعنا بأن هناك تغييراً حقيقياً بينما تبقى الأوضاع على حالها؟ هذه المشاريع غالباً ما تكون مجرد دراسات أو وعود فارغة تهدف إلى تهدئة الرأي العام دون أن يتم تنفيذها على أرض الواقع.
لقد وصل الوضع إلى مرحلة لم يعد بالإمكان السكوت عنها. المستفيدون من هذا الفساد المتفشي هم كبار المسؤولين الذين يضخون الأموال في جيوبهم بينما يتركون الشعب يعاني.
لا توجد رقابة حقيقية ولا متابعة للأموال المخصصة لتحسين هذه الأحياء العشوائية، وكل من يجرؤ على طرح سؤال حول تلك الأموال يُصنف كمعارض. الحكومة المصرية قد أغلقت أذانها عن مطالب الشعب وواصلت سياستها القمعية التي تزيد من عزلتها.
الأرقام تتحدث عن نفسها. حسب الإحصاءات الرسمية، هناك أكثر من 9 ملايين مصري يعيشون في مناطق عشوائية، وهو عدد ضخم يُظهر إلى أي مدى وصل التدهور الحضري في البلاد.
ومع ذلك، تظل الحكومة تتبع سياسات ترقيعية ولا تقدم حلولاً جذرية لهذه القضية المزمنة. لا يمكن أن يستمر الوضع بهذه الطريقة.
يجب أن يتحمل المسؤولون في الدولة عبء فشلهم في تنفيذ خطط تحسين العشوائيات وأن يواجهوا النتائج المترتبة على هذا التقاعس.
من جهة أخرى، تواجه السلطات تحديات ضخمة في تعويض هؤلاء المواطنين عن الأضرار التي تعرضوا لها نتيجة إهمال الحكومة المستمر.
كيف يمكن للمواطنين أن يتوقعوا الحصول على تعويضات عادلة وهم يواجهون هذا التفكك الكامل في النظام الحكومي؟ صحيح أن هناك بعض المحاولات المحدودة لتحسين الوضع، ولكن هذه المبادرات لا توازي حجم المشكلة الضخمة التي يواجهها هؤلاء المواطنون.
في قلب هذه الفوضى يكمن فساد لا حدود له، حيث يُقال أن كبار المسؤولين في الحكومة المصرية يمتلكون علاقات وثيقة بشركات مقاولات تعمل في مجال البناء والتطوير العمراني، ويسيطرون على معظم المشروعات العمرانية الكبرى.
تلك الشركات غالباً ما تكون مسؤولة عن بناء مشاريع في المناطق العشوائية ولكنها لا تحقق الفوائد المرجوة منها، بل تستفيد منها فقط الطبقات العليا، بينما تظل الأحوال المعيشية للمواطنين في تلك المناطق كما هي.
وفي سياق متصل، تزايدت حدة الاحتجاجات في بعض المناطق العشوائية نتيجة لتدهور الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات الفقر. إذ يتساءل المواطنون في تلك المناطق لماذا لا تلتزم الحكومة بتنفيذ وعودها؟
لماذا لا يتم تخصيص الأموال بشكل عادل لتحسين ظروف حياتهم؟ هل الفساد هو الذي يحكم قبضته على هذه المشاريع أم أن هناك عوامل أخرى تخدم مصالح أقلية على حساب أغلبية الشعب؟
إن الحكومة المصرية تقع في قلب هذه الفوضى العارمة، ويجب على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات جادة للضغط عليها من أجل تغيير هذا الواقع المؤلم.
من خلال تغاضي السلطات عن هذه الأوضاع المتدهورة، فإنها تساهم بشكل غير مباشر في تعزيز الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي.
فإن هذا الوضع الذي يعيشه ملايين المصريين هو نتيجة واضحة للفشل الحكومي المستمر في توفير حلول حقيقية وفعالة للمشاكل المزمنة التي يعاني منها الشعب.
من الضروري أن يتم محاسبة المسؤولين عن هذا التدهور العمراني الكارثي، وأن يتم تقديم الحلول الجذرية قبل أن يصبح الوضع أسوأ مما هو عليه الآن.